
*الرجوع الى ماضي طريقنا الى المستقبل*
في زمن طغت فيه الماديات وتعقيدات الحياة الحديثة، يبرز الحنين إلى الماضي كمنارة تهدينا إلى طريق البساطة والطمأنينة. "رحم الله أمرء عرف قدر نفسه" ليست مجرد مقولة تتردد على الألسنة، بل هي فلسفة حياة تعيد للإنسان توازنه وتذكره بحقيقة وجوده وغاية خلقه.
الحياة البسيطة في جنوب لبنان قبل نصف قرن
عاش أهالي جنوب لبنان قبل خمسين عاماً حياةً مختلفة جذرياً عما نعيشه اليوم. كانت البيوت متواضعة، ولكن قلوب ساكنيها كبيرة تتسع للجميع. كان الاعتماد على الزراعة وتربية المواشي مصدر الرزق الأساسي، وكانت الأسر تنتج معظم حاجاتها بنفسها. لم تكن هناك هواتف ذكية ولا إنترنت، لكن التواصل الإنساني كان أقوى وأعمق. الجيران كانوا عائلة واحدة، والأفراح والأتراح مشتركة.
غاية الخلق: العبادة والطاعة
لم نخلق لهذه الحياة الدنيا الزائلة، بل خلقنا لعبادة الله وطاعته. كانت هذه الحقيقة محور حياة الأجيال السابقة. يومهم يبدأ بالصلاة ويختتم بالدعاء. العمل في الحقل عبادة، ومساعدة الجار عبادة، وتربية الأولاد عبادة. كانت حياتهم كلها خاضعة لإرادة الله، مما منحهم شعوراً بالطمأنينة والرضا لا يمكن للماديات وحدها أن تمنحه.
ثمن الحياة الغربية الباهظ
الحياة العصرية التي نسعى إليها اليوم تثقل كاهلنا بأعباء مادية ونفسية لا تحتمل. ندين بالقروض لتمويل سيارات فارهة وبيوت فاخرة، ونضحي بوقتنا وصحتنا في سبيل المال. الأسوأ من ذلك أننا أحياناً نضحي بقيمنا ومبادئنا، فندخل في متاهات الربا والغش والاحتيال من أجل كسب الرزق. هذه الحياة المادية أثمانها باهظة: تفتك بأسرتنا، وتنهك صحتنا، وتفقدنا سكينتنا.
البساطة مع قليل من التكنولوجيا
ليس المطلوب أن نعيش كما عاش أجدادنا تماماً، بل أن نأخذ من ماضينا ما ينفعنا في حاضرنا. يمكننا أن نحتفظ ببعض وسائل الراحة الحديثة التي توفر الوقت والجهد، دون أن نسمح لها أن تستعبدنا. الجمع بين بساطة الماضي ونفع التكنولوجيا يمنحنا حياة متوازنة: بيتٌ دافئ، وطعامٌ طبيعي، وعلاقاتٌ إنسانية متينة، مع اتصال معتدل بالعالم الخارجي.
الشفاء في العمل بالأرض
العمل بالزراعة وتربية الحيوانات ليس مجرد مصدر رزق، بل هو علاج للروح والجسد. الدراسات الحديثة تثبت أن العمل في الطبيعة يخفف من الاكتئاب والقلق. في زمن الحروب والأزمات، تكون "المونة" المنزلية والاعتماد على الذات سلاحاً للبقاء. الأرض لا تخون من يعمل بها، وهي تمنح الإنسان شعوراً بالإنجاز والاستقلالية لا يجدهما في الوظائف المكتبية.
نماذج من حياة البساطة
كانت الأمهات يحضرن الخبز في التنور، ويقطعن الأعشاب الطبية من الحقول لعلاج الأمراض. كان الآباء يعودون من الحقول محملين بالقمح والزيتون. الأطفال كانوا يساعدون في جني المحاصيل ويرعون الأغنام، لكنهم كانوا يجدون وقتاً للعب والمرح. البيوت كانت مفتوحة، والضيف يأتي دون invitation، ويقدم له أفضل ما في البيت. كانت الحياة بسيطة المظهر، غنية بالمضمون.
رحم الله تلك الأيام الجميلة
وما فيها من بساطة وطهر. ورحم الله كل من عرف قدر نفسه فلم يتكبر على الآخرين، ولم يستعبد نفسه للماديات، ولم ينسَ غاية وجوده. العودة إلى البساطة ليست تراجعاً إلى الوراء، بل هي خطوة إلى الأمام نحو حياة أكثر توازناً وسعادة ورقياً إنسانياً حقيقياً.
و من هذا المنطلق تصحيح الظلم الذي وقع على اهل الحق منذ السقيفة، و في رزية الخميس و في عاشوراء بكربلاء اساس صنع الحضارة المثالية الانسانية المشرقة في المستقبل القريب.