
جاء قرار مجلس الوزراء اللبناني، في جلسته المنعقدة الجمعة الماضي، ليجبّ ما قبله في جلستَي الخامس والسابع من آب، بعد أن مضى شهر كامل على تكليف قيادة الجيش بوضع خطة ما سُمّي حصرية السلاح.
وذهب كثيرون إلى اعتبار هذا التكليف تنفيذاً لورقة برّاك الأميركية التي لم تنل موافقة العدو ولا قبوله بسياسة الخطوة خطوة في الانسحاب من الجنوب وتحرير الأسرى ووقف العدوان التزاماً باتفاق منع الأعمال العدائية الموقّع في 27 تشرين الثاني 2024 بضمانة أميركية فرنسية. وكانت الأجواء السياسية والإعلامية المشحونة تنذر بأن تكون جلسة الخامس من أيلول، التي وُزّع بيان أعمالها في بند واحد قبل التراجع إلى إضافة بنود أخرى، جلسة خطيرة على الوحدة الوطنية وميثاق العيش المشترك والسلم الأهلي.
ولا يمكن لعاقل أن يقبل بما كانت تحضّر له لو تركت الحكومة مسلوبة الإرادة في مواجهة الضغوط الخارجية والإملاءات وتلقّي التهديدات والإنذارات وسيل العقوبات. وكأنّ البلاد متروكة لرياح قادمة من الجهات الدولية والإقليمية المعروفة.
كانت مسالك التشاور والحوار بين الرؤساء مشرّعة وحاضرة، في حوار جمع الرؤساء الثلاثة وقيادة الجيش وحزب الله وتيار المقاومة اللبنانية، للوصول إلى حلول تنقذ البلاد من الأخطار المحدقة بها وتفتح الحوار لاستعادة عناصر القوة في المواقف خلال المفاوضات مع أميركا وفرنسا، وهما الدولتان الراعيتان لوقف الأعمال العدائية، ومع السعودية ومصر والجامعة العربية وإيران وتركيا من الدول الإسلامية الإقليمية الكبرى. كانت اتصالات كثيفة ولكنها تحصل على خيط يشبه السير على حافة هاوية تنذر بأشدّ المخاطر على مستقبل لبنان واستقراره ووحدته وسيادته وسلمه الأهلي.
استمرّ التواصل والتشاور وشدّ الحبال في الحوار على حافة الهاوية ومستقبل البلاد والعباد حتى ساعات قليلة قبل موعد الجلسة. وكان الغموض البنّاء يسيطر على أجواء انعقادها، وحبس الناس الأنفاس وهم يتابعون الأخبار التي تتسارع وتيرتها ولكن دون الوصول إلى حقيقة ما حصل قبل انعقاد الجلسة من أسباب الاتفاق حول مشروع قراراتها. وبرزت خلافات داخل الحكومة حول الوصول إلى القرار المناسب وصدرت إشارات منها ما ظهر من تباين بين أهل القرار، دون الدخول في تعيين المواقف والمراكز والأسماء. ولكن كانت واضحة وبيّنة وقد تناولها الإعلام بشكل صريح، ومردّ ذلك إلى حقيقة أن قرارات الحكومة في بداية شهر آب بُنيت على باطل وأخطاء في سياسة الحكم وإدارة المفاوضات. ولذلك، تنبّه بعضهم إلى ضرورة إصلاح ما تركته من آثار.
لقد استطاع الحوار، عبر التواصل المباشر وغير المباشر، الوصول إلى إنقاذ لبنان مما كان يُخطط له من أسباب الحرب والفوضى
عُقدت الجلسة في الخامس من أيلول والناس على أعصابهم والبلاد على كفّ عفريت.
انسحب الوزراء الشيعة اعتراضاً بعدما طلبوا التراجع عن قرارات 5 و7 آب، وبعدما دعا الرئيس نبيه بري إلى حوار وطني واسع في خطاب تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
قدّم قائد الجيش خطّته ورحّبت بها الحكومة بدل إقرارها. وهي صيغة ذات معنى سياسي وقانوني واضح؛ بأنه يلزم لإقرارها تحقيق شروطها. قدّم قائد الجيش خطته ورحّبت بها الحكومة، على ما ذكرنا، وأرفقت ترحيبها في إصدار بيان يظهر الاتفاق عليه كما تجري العادة في رسم السياسات، وهو يظهر في مضمونه ما يلي:
1- إعادة الالتزام القوي بالقرار الدولي 1701 وهو القرار الذي أمّن الاستقرار لمدّة عقدين من الزمان بعد حرب تموز 2006.
2- ضرورة تنفيذ مندرجات تنفيذ القرار 1701 في اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني 2024 برعاية وضمانة من قبل أميركا فرنسا.
3- تنفيذ حصرية السلاح في جنوب الليطاني في صلة في مفعول القرار 1701 وهو مسألة متفاهم حولها بين المقاومة والجيش.
4- جبّ بيان الحكومة في الخامس من أيلول ما قبله من قرار 5 و 7 آب. وعليه، تكون مُلغاة بحكم أنّ ما صدر من قرار بعدها يتجاوزها. ولذلك، نستخدم كلمة «جبّ ما قبله» للإفصاح عن هذه الدقيقة القانونية.
5- تهافت ورقة برّاك، ويصح وصفها بعد البيان بأنها أصبحت ورقة متقادمة لا محل لها وتمّ تجاوزها (ورقة caduc).
6- ركّز البيان على أهمّية ما يلي: (أ) وقف الأعمال العدائية بشكل تام، (ب) انسحاب العدو من الأرض اللبنانية المحتلة، (ج) تحرير الأسرى اللبنانيين، (د) موضوع حصر السلاح مرتبط بالنقاط أعلاه وبوضع استراتيجية للدفاع والأمن الوطني مُتفق عليها بين اللبنانيين وقيام دولة قوية وعادلة ذات سيادة وطنية كاملة الأوصاف.
لقد استطاع الحوار، عبر التواصل المباشر وغير المباشر، الوصول إلى إنقاذ لبنان مما كان يُخطط له من أسباب الحرب والفوضى. وعلى كل القوى أن تدرك أن هذا الوطن واحد لجميع أبنائه وهو عصيّ على كل احتلال وفتنة وهيمنة واستتباع. بلد يليق بشعبه حقاً.
* كاتب ووزير سابق، جريدة الأخبار