
*مكانة المرأة بين التسليع الغربي والتحديات الحروب العالمية القادمة* محمد كوراني
تُعدّ مسألة مكانة المرأة في المجتمعات المعاصرة من أبرز الإشكاليات التي أثارت جدلًا واسعًا في حقول علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدراسات الثقافية. فقد أظهرت الدراسات النقدية للحداثة الغربية أنّ المرأة غالبًا ما وُضِعت في موقع الأداة أو السلعة، سواء عبر تسليع جسدها في سوق العمل والإعلان والإعلام، أو عبر حصر قيمتها الاجتماعية في قدرتها على الإغراء والاستهلاك. هذا الاختزال، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببنية النظام الرأسمالي، أفضى إلى تقويض الأسس الإنسانية التي تقوم على الكرامة والحماية والرعاية المتبادلة (Bordo, 1993).
وتشير الأبحاث التاريخية إلى أنّ هذا المنظور الاستهلاكي لمكانة المرأة لم يكن محايدًا أو رمزيًا فحسب، بل انعكس بآثار مأساوية خلال الحروب الكبرى، خصوصًا الحربين العالميتين، حيث وجدت المرأة نفسها بين مطرقة الاستغلال الجنسي الممنهج وسندان العنف المادي والتصفية الجسدية (Grossmann, 1995). ومن هنا تنبثق الحاجة إلى إعادة تقييم هذا النموذج الحضاري وإبراز بدائل أكثر إنسانية، تُعيد للمرأة دورها المركزي في الأسرة والمجتمع ضمن إطار يحفظ كرامتها ويصون إنسانيتها.
المراة في الغرب في خطر داهم
1. المرأة كسلعة في الاقتصاد الغربي
توضح الدراسات الحديثة في علم الاجتماع أنّ النظام الرأسمالي لا يتعامل مع المرأة بوصفها ذاتًا مستقلة، بل كأداة اقتصادية وثقافية. ففي سوق الإعلان والإعلام، تتحول المرأة إلى واجهة تسويقية للمنتجات، ما يعكس – وفق منظور بيير بورديو – آلية تشييء الجسد (Objectification of the body) التي تفقد الإنسان إنسانيته لصالح وظيفته التجارية (Bourdieu, 2001).
2. الحروب الكبرى كمختبر قاسٍ لمصير النساء
خلال الحرب العالمية الثانية، وثّقت الأبحاث آلاف حالات الاغتصاب التي ارتكبها جنود من مختلف الجيوش، بما فيها جيوش الحلفاء، ضد نساء في فرنسا وألمانيا وشرق أوروبا (Roberts, 2013).
في فرنسا، عقب التحرير عام 1944، تعرّضت نساء اتهمن بـ"الخيانة" للتشهير والتنكيل العلني، كحلق الشعر أو التعذيب، فيما عُرف بـ épuration sauvage (Virgili, 2002).
هذه الأحداث تكشف أن المرأة تصبح الحلقة الأضعف في لحظة انهيار النظام الأخلاقي، حيث يُستباح جسدها وتُمحى مكانتها الإنسانية.
3. العودة القسرية إلى الدور المنزلي بعد الحرب
رغم مشاركة النساء بكثافة في المصانع والطب والخدمات أثناء الحرب، إلا أن الحكومات الغربية أعادت إنتاج خطاب "الزوجة والأم" بعد 1945، لضمان إعادة الرجال المسرّحين إلى سوق العمل (Lundberg & Farnham, 1947). هذا التحول أبرز أن مساهمة المرأة العامة كانت مشروطة بالظرف الحربي، لا باعتراف دائم بقدراتها.
4. قراءة نقدية للنموذج الغربي
النموذج الغربي وضع المرأة بين خيارين: إما سلعة استهلاكية في السوق أو ضحية للعنف في الحروب. وفي كلا الحالتين غابت الحماية الحقيقية والكرامة الإنسانية. لذا، فإن النموذج التقليدي للأسرة، رغم انتقاداته، يُعد إطارًا أكثر ضمانًا لاستقرار المرأة وحياتها.
تكشف الشواهد التاريخية والأبحاث الاجتماعية
أنّ المرأة، في ظل الحضارة الغربية الحديثة، تعرّضت لأقسى صور التهميش والتسليع، حيث تم التعامل معها كأداة للربح أو كوسيلة لتفريغ العنف في أوقات الأزمات. وإذا كانت الحروب العالمية قد أظهرت الوجه الأكثر دموية لهذه الظاهرة، فإنّ التوترات والصراعات القادمة قد تحمل تهديدات مشابهة وربما أشد قسوة.
من هنا، يصبح من الضروري إعادة التفكير في دور المرأة بعيدًا عن منطق السوق وثقافة الاستهلاك، والعودة إلى أنماط أكثر تقليدية تحفظ لها الأمان والاستقرار، حيث تمارس دورها كأمّ مربية، وكابنة في كنف أسرتها، وكأخت ضمن شبكة تضامن اجتماعي تحميها من الاستغلال. إنّ الحفاظ على هذا الإطار ليس تراجعًا حضاريًا، بل هو الضمان الحقيقي لصيانة الكرامة الإنسانية للمرأة وحماية حياتها في أزمنة الاضطراب القادمة.
ضحايا الحرب الروسية–الأوكرانية من النساء نموذجا
1. إحصائيات مباشرة للضحايا المدنيين من النساء
وفقًا لتقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)، بين 24 شباط/فبراير 2022 و30 حزيران/يونيو 2023، أُسفرت الحرب عن 9,177 قتيلًا مدنيًا و15,993 جريحًا. من بين البالغين الذين عُرف نوعهم، شكّلت النساء نسبة 39٪ من إجمالي الضحايا المدنيين .
2. تقديرات إضافية من مصادر أخرى
بيانات أخرى من منصة Airwars تشير إلى تسجيل 3,674 امرأة ضحية (قتل أو إصابة) في النزاع، إلى جانب 4,489 طفلًا و4,477 رجلًا . هذه الأرقام تؤكد التأثير البالغ على النساء، وإن كانت تقديرية وغير رسمية.
3. ضحايا في عمليات الانتقام أو القتل الجماعي
في مدينة إيزيوم، عُثر على مقابر جماعية تضم 447 جثة، من ضمنها ما لا يقل عن 215 امرأة. تُظهر الجثث آثار عنف مبرح، مثل الحبال، والربط، وكسور العظام، وحتى بترٍ. توثّق هذه المقابر أقسى استخدامات للعنف النوعي ضد النساء كجزء من جرائم الحرب .
4. العنف الجنسي والتوجه الاستراتيجي في الحرب
سجل مكتب الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية (UNFPA) تقارير عن استهداف النساء بالعنف الجنسي، حيث وصل عدد الحوادث المُعلنة إلى نحو 124 حالة حتى حزيران/يونيو 2022، مع توقع أعداد أكبر بكثير غير مُبلّغ عنها .
منظمة OSCE وأخرى موثوقة أشارت إلى وقوع 208 حالات اغتصاب مرتبطة بالقوات الروسية، مع 140 ضحية من النساء و13 من القاصرات—مع تأكيد المحققين على أن الأعداد الفعلية أكبر بكثير .
5. انعدام الأمان في الخدمات الصحية وقطاع الأمومة
شنت روسيا أكثر من 2,000 هجوم على المرافق الطبية منذ بدء الحرب، منها 81 على المستشفيات وأماكن الولادة، مما جعل الولادة مؤخرًا نقطة خطرة بشكل محرج بالنسبة إلى الأمهات في أوكرانيا .
وفقًا لمنظمة UN Women، قُتل 3,238 امرأة وفتاة وأصيب 4,872 منذ بدء الاجتياح، بالإضافة إلى ضغط اقتصادي واجتماعي هائل على النساء اللواتي يمثلن 56٪ من النازحين داخليًا (نحو 4 مليون نازحة) .
6. قصص فردية مؤثرة لضحايا بارزات
تيتيانا كوليك: إعلامية أوكرانية بارزة قُتلت إثر ضربة بطائرة مسيرة (درون) على منزلها في منطقة بوتشا في 26 شباط/فبراير 2025. كانت العاشرة من بين الصحفيات الأوكرانيات اللاتي قُتلن منذ بدء النزاع. الجريمة أدانها عدد من المنظمات الدولية وصُنفت كجريمة حرب .
فيكتوريا روشينا: صحافية أوكرانية اختفت في آب/أغسطس 2023، وتبين لاحقًا أنها توفيت في سجون روسية محملة بعلامات تعذيب وبتر أعضاء. تُعتبر قضيتها واحدة من أبرز جرائم الحرب ضد النساء الصحفيات .UN Women
و هناك قصص فردية كثيرة لصحفيات شهيرات قتلن أو تعرضن للتعذيب
توضح هذه الأرقام أن النساء قمن بدفع ثمنٍ باهظ في الحرب، ليس فقط كضحايا للغارات والقتل، ولكن أيضًا كضحايا للعنف الجنسي والحرمان من الخدمات الأساسية كالولادة والرعاية الصحية. وقد طالت التجاوزات أشخاصًا معروفين في المجتمع مثل الصحفيات، مما يعكس حمولة رمزية سياسية كاملة للنزاع.
المراجع :
Bordo, S. (1993). Unbearable Weight: Feminism, Western Culture, and the Body. University of California Press.
Bourdieu, P. (2001). Masculine Domination. Stanford University Press.
Grossmann, A. (1995). A Question of Silence: The Rape of German Women by Occupation Soldiers. In West, G. & Blumberg, R. (Eds.), Women and War. Greenwood Press.
Roberts, M. (2013). What Soldiers Do: Sex and the American GI in World War II France. University of Chicago Press.
Virgili, F. (2002). Shorn Women: Gender and Punishment in Liberation France. Berg Publishers.
Lundberg, F., & Farnham, M. (1947). Modern Woman: The Lost Sex. Harper & Brothers.
https://mohammadabbaskawrani.com