
المحور وإدارة التفاوض، الأربعاء 6 آب ٢٠٢٥
تأوّجت الحرب على المحور وبلغت أعلى درجاتها من حيث الاستهداف في العدوان على الجمهورية الإسلامية في إيران في معركة كبرى استمرّت 12 يوماً وشاركت فيها بشكل مباشر الولايات المتحدة الأميركية. وانتهت إلى وقف إطلاق النار بطلب من أميركا، حقّقت فيه إيران كسباً بالنقاط لا يزال يحتاج إلى ترجمته في المفاوضات التي استؤنفت مع الجانب الأوروبي ولا تزال متعثّرة تبحث عن شروط إطلاقها بين إيران والولايات المتحدة.
ولذلك، فإنّ توازن القوى في هذه الحال يكون صالحاً للبحث عن تسويات توقّف الحرب وقد بلغت أوجها، وتنقل المنطقة إلى مرحلة ما بعدها في حسابات اليوم التالي؛ في تسويات تعكس موازين القوى وتتركها قابلة للتطوّر في المستقبل، وهذا ما يحصل في نهاية كل حرب وما اعتدنا عليه في التسويات السياسية التي حصلت في مراحل الصراع العربي-الصهيوني حول فلسطين.
ويلفت أنّ حرب الـ12 يوماً شكّلت نقلة نوعية في مسيرة الصراع بدخول إيران ميدان الحرب، ما أعطى الصراع حول فلسطين بعداً إسلامياً جديداً على مستوى ميدان الحروب مضافاً إلى بعده العربي.
لا يمكن إغفال هذا التحوّل الإستراتيجي في ميدان الحرب من أجل فلسطين وحولها؛ وقد حصلت هذه الحرب الكبرى وطاولت دول المحور في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران. ساندت كل ساحة الأخرى في جبهة حرب واحدة، في عدّة معارك متّصلة ومنفصلة في الزمان والمكان لكنها واحدة من جهة العدو الواحد ووحدة الأهداف في مقاومة عدوانه. وقد حصل من أجل ذلك إعدادٌ طويل مشترك بصرف النظر عن توقيت الحرب وتعدّد جهاتها.
وعليه، فإنّ التسويات التي تلي كل حرب لا بدّ أن تأخذ في عين الاعتبار هذه الحقيقة الواقعية والوقائع الحقيقية؛ في طبيعة الحرب ومجرياتها وتصاعد وتيرتها حتى بلغت أوج اشتباكها ودفعت قوى دولية عديدة للعمل على إيقافها عبر مفاوضات غير مباشرة تؤدّي إلى اتفاقات تستلزم ضمانات دولية باعتبار أنّ هذه الحرب ذات مخاطر إقليمة ودولية كبرى.
ما الذي يفعله المحور الذي خاض حرباً مشتركة في إدارة المفاوضات للوصول إلى تسويات إيقاف الحرب؟ أذهب إلى أنّ مصلحة المحور، والخيار العقلاني في إدارة المفاوضات لإيقاف أعمال الحرب، هو التفاوض بإدارة واحدة ومشتركة. لأنّ الذهاب إلى المفاوضات فرادى يفوّت فرصة الاستفادة من عناصر قوّة المحور في مسار المفاوضات.
وإذا كانت دول المحور قد أوكلت إلى الجانب الفلسطيني التفاوض حول الحرب في غزة، فإنه يمكن لدول المحور أن تنسّق في ما بينها وتوكل إلى إيران مهمّة القوّة الدافعة لعملية التفاوض لتسويات ما بعد الحرب. هل ذلك ممكن التحقّق؟ أرى أنه ممكن بطرق عدّة: لا تتعارض مع دوران المفاوضات في كل بلد وفق آلياتها الخاصة، مع معرفة الجهات الإقليمية والدولية أنّ دول المحور متضامنة ومتّحدة في وحدة المسار والمصير ــــــ وهذا المصطلح الذي كان سائداً في مرحلة من الصراع لا يزال، كما أراه، صالحاً وواقعياً في هذه المرحلة من الحرب الكبرى.
إنّ حفاظ قوى المحور على وحدتها في ساحة الحرب يجعلها قادرة على الحفاظ على وحدتها في مرحلة التسويات التي تنتجها الحرب. ويساند كل طرف من هذا المحور الطرف الآخر في عملية التفاوض للوصول إلى التسوية المحلّية الخاصة أو التسوية الإقليمية، ولا يستطيع أحد الاستفراد بأطراف المحور كلّ على انفراد. وتحسب نقاط القوة المتوفّرة في المحور لجميع مكوّناته. يشكّل هذا المتّحد الإقليمي قوة كبرى متماسكة وموحدة بكل المعاني، وقد أعطتها الحرب مصداقية تجربة الوحدة والتضامن في ما بينها.
وذلك لا يتناقض مع التزاماتها الوطنية الخاصة بها، ولا مع العلاقة مع النظام الإقليمي العربي والإسلامي. بل يحفّزها موقعها بعد الحرب، والمكتسب من مجريات الحرب، على العمل للوحدة والتضامن في النظام الإقليمي العربي والإسلامي. وتصبح قوّة المحور عنصراً مسانداً وداعماً لهذا النظام في تحسين موقعه في علاقاته مع النظام الدولي، ليصير قادراً على المشاركة من موقع قوة وفاعلية في إدارة النظام الدولي والبحث عن قواعد لعلاقات دولية قائمة على احترام حق الشعوب في الحرّية والعدالة والسيادة والاستقلال والتنمية والدفاع الإستراتيجي عن هويّة الأمّة ومصالح البلاد والعباد.
إنّ قوّة المحور قوّة مضافة إلى النظام الإقليمي العربي والإسلامي. إنّ حركة في اتجاه الخروج من دائرة المحور إلى دائرة وحدة النظام الإقليمي في غرب آسيا، تساعد في مواجهة المخاطر وفي الحفاظ على عناصر القوّة لمصلحة الأمّة جمعاء. يعزّز المحور عنصر الوحدة ولا يعارضها، فتكون مسألة الحركة نحو الوحدة من أولى نتائج الصمود في الحرب والسعي إلى امتلاك عناصر القوّة في مواجهة تحدّيات المستقبل على جميع الصعد الحضارية السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
حركة تتّجه إلى بناء نظام الاقتدار والاستقرار والسيادة والحرّية ومقاومة الاحتلال والاستعمار وكل أشكال السيطرة والهيمنة ومخططات التقسيم والتطبيع والاستتباع، لجعل النظام الإقليمي العربي والإسلامي نظاماً قوياً وعادلاً ومشاركاً في إدارة مصالحه والحفاظ على مكانته على الحقيقة.
* كاتب ووزير سابق