
*منع التدهور والتراجع القيمي في التنظيم عبر الزمن وضرورة القيام بخطوات ثورية لإحياء القيم*، محمد كوراني
مع مرور الزمن، تميل المؤسسات – مهما بلغت من قوة ومتانة في بنيتها – إلى الذبول البطيء والتراجع القيمي، نتيجة تراكم الأخطاء الصغيرة، وغلبة الروتين، وتراجع روح المبادرة التي كانت حاضرة عند التأسيس. ويُعد هذا التدهور ظاهرة معروفة في أدبيات علم الإدارة يُشار إليها أحيانًا بـــ“الإنهاك المؤسسي المتدرّج”، أي فقدان القيم والمعايير التي بُنيت عليها المؤسسة بسبب ضغط الزمن واستمرار العمل بأساليب لم تعد مناسبة للتحولات المتسارعة.
التراكمات الصغيرة… مفعولها كبير على المدى البعيد
في بيئة العمل اليومية، تُتَّخذ مئات القرارات الصغيرة، ويتم تجاوز بعض القواعد “بشكل استثنائي”، وتُؤجَّل بعض التطبيقات “كي لا نُحرج أحدًا”. لكن التنازل الاستثنائي يتحول – مع التكرار – إلى نمط ثابت، حتى يستقر في وعي الأفراد باعتباره “القاعدة” لا “الاستثناء”. ثم تظهر طبقة بيروقراطية تبني مصالحها الخاصة على هذه التنازلات، وتُصبح أكبر عائق أمام العودة إلى القيم الأساسية التي تأسست عليها المؤسسة.
لماذا تتراجع القيم؟
١. بحسب علم الإدارة، فإن أبرز أسباب التراجع القيمي في المؤسسات هي:
٢. الجمود التنظيمي: غياب المراجعة الدورية للسياسات والهياكل.
٣. البُعد عن الهدف الرسالي: تحوّل المؤسسة إلى مجرد “آلة” لتحقيق الربح أو إنجاز الروتين.
٤. ضعف القيادة التحويلية: التي تستنهض الهمم وتُشعر العاملين بمعنى رسالتهم.
٥.ثقافة “السلام والعيش” بدل ثقافة “المبادرة”: الخوف من التجديد والتمسّك بما هو مألوف حتى لو لم يعد مناسبًا.
*الحاجة إلى خطوات “ثورية” لإحياء القيم*
الوصول إلى مرحلة التراجع القيمي لا يُعالج بقرارات تنظيمية بسيطة، بل يحتاج إلى مراجعة جذرية تُعيد الاعتبار إلى الروح التأسيسية. ولهذا، ينصح خبراء الإدارة بأن تقوم المؤسسة – كل فترة زمنية – بخطوات إصلاحية شجاعة تشبه “الصدمة الإيجابية” أو النهضة القيمية الموجَّهة، وتتمثل في:
الخطوة الوصف
1. إعلان حالة طوارئ قيمية الاعتراف الجريء بوجود مشكلة خلل أخلاقي أو تراجُع في روح الرسالة، واستنهاض الجميع للمشاركة في المعالجة.
2. إعادة تعريف الرسالة والرؤية إعادة صياغة الهدف الأساسي للمؤسسة بطريقة تُعيد إشعال الحماس وتُذكّر بالغاية الإنسانية والقيمية.
3. إزالة الرواسب البيروقراطية إعادة هندسة الإجراءات وتخفيف التعقيدات التي تحولت إلى عوائق أمام المبادرة والإبداع.
4. تمكين القيادات القيمية منح المناصب الحساسة للأشخاص الذين يتمتعون بالشجاعة الأخلاقية والوعي الرسالي، حتى لو كانوا أقل خبرة إدارية.
5. بثّ روح التقييم والمحاسبة الذاتية تحويل التقييم من أداة ضبط فقط، إلى أداة إحياء روح المسؤولية القيمية عند كل فرد.
المؤسسات لا تسقط فجأة،
... بل تتآكل قيمها بالتدريج عندما تغيب المراجعات الجذرية. لذلك فإن الحفاظ على الحيوية القيمية يتطلّب ثورات داخلية دورية تُعيد إحياء الروح الأولى، وتُعالج التراكمات قبل أن تتحول إلى “قدر محتوم”. فكما تُجدد المجتمعات دماءها عبر النهوض الحضاري، فإن المؤسسات مطالَبة أيضًا بما يمكن تسميته “النهضة القيمية الدورية” حتى تبقى قادرة على أداء رسالتها بفعالية وصدق.
https://mohammadabbaskawrani.com