
سلسلة مقالات تحسين الوضع المعيشي في لبنان- (الرقم 2)
*تيسير الوضع المعيشي و الاولويات المعيشية* محمد كوراني
قلنا بأن علينا التذكر أن الاقتصاد الوطني دائما يتبع الوضع السياسي العام. و من هذا المنطلق ليس هناك تحسن بالوضع الاقتصادي. هنا علينا أن نتعرف على مصادر الدخل في لبنان و هي مختلفة عن معظم بلاد العالم لان الاساس فيه المال السياسي ومال الاغتراب.
و من هذا المنطلق تحسّن الوضع المعيشي في لبنان، يبدأ من تأمين الأكل الصحي والطعام الكامل البسيط برعاية الاحزاب والمغتربين الشيعة، خاصة في ظروف الحرب الشاملة و هناك طرق معتمدة لتأمين أقل الطعام الصحي للمواطنين والذي بدوره يعتمد على التكافل الاجتماعي.
تشكل شبكات الدعم الحزبي والاغترابي عند الشيعة دعما مهما، منها بطاقة السجّاد (خصم يصل إلى 70 ٪ على سلة غذائية بقيمة تقارب 40 $ شهرياً للأسرة)، وما تقدِّمه أحزاب أخرى (أمل، التيار الوطني، القوات...) ومساعدات موسمية (وقود بنزين، قسائم دواء، طرود غذائية) خاصة في المناطق ذات الولاء العالي أو أثناء الانتخابات. بحسب تقدير المحافظ عدد الأسر المستفيدة بين 100 و150 ألفاً، أي نحو اسرة واحدة من كل 10 أُسر لبنانية، هي مساعدات مهمة لكنها ليست كافية.
يجب ملاحظة تَداخُل المصادر وتنوعها و ما تسببه من ضياع التصنيفات المتداولة: أسرة واحدة قد تتقاضى راتباً من القطاع الخاص وتحصل على تحويلات، أو موظف عام يحمل بطاقة تموينية حزبية. لذلك لا تُجمَع النسب للحصول على 100 ٪. التفاوت داخل كل فئة (خاصة التحويلات) كبير، إذ تتراوح الحوالات من 100 $ إلى آلاف الدولارات شهرياً حسب بلد المُرسل ووضع الأسرة.
شحّ البيانات الرسمية بعد 2019 يفرض اعتماد مصادر صحفية ومسوحات دولية، مع هوامش الخطأ المحتملة. تحسين الوضع المعيشي في لبنان، خصوصًا من ناحية الأكل الصحي والطعام الكامل، يتطلب مقاربة متكاملة تجمع بين السياسات العامة، المبادرات المجتمعية، والإصلاحات الاقتصادية. في ظل أزمة متعددة الأبعاد (مالية، غذائية، صحية)،
ما هي مشكلات الغذاء في لبنان اليوم؟
ارتفاع الأسعار بشكل جنوني: معظم الغذاء يُستورد بالدولار، في بلدٍ يعاني من انهيار الليرة.
نقص التغذية المتوازنة: كثير من العائلات تستغني عن اللحوم، الألبان، الفاكهة، والخضار الطازجة، اعتمادا على الكربوهيدرات الرخيصة: خبز، رز، بطاطا — ما يؤدي لسوء تغذية على المدى الطويل.
انعدام الأمن الغذائي: حسب الأمم المتحدة، أكثر من 50% من العائلات تعاني من انعدام جزئي أو حاد في الأمن الغذائي.
غياب الرقابة الصحية على السلع المحلية والمستوردة، ما يزيد من الأمراض الناتجة عن الغذاء الرديء أو الفاسد.
اذا السؤال هو : كيف يمكن تحسين الغذاء والأكل الصحي في الوضع الراهن؟
1. تحفيز الزراعة المنزلية والمجتمعية ؛
دعم المشاريع الزراعة على الشرفات والأسطح (زراعة بقدونس، نعناع، طماطم، خس...).
توزيع بذور وسماد منزلي ضمن مبادرات بلدية أو منظمات.
تشجيع الجمعيات والأحياء على تأسيس "حدائق مجتمعية" لتبادل المنتجات الطازجة.
2. إطلاق حملات توعية غذائية منخفضة الكلفة
التثقيف حول:
البروتين النباتي (عدس، حمص، فول، فاصوليا).
طرق تخزين الطعام وتخفيض الهدر.
الطهو الاقتصادي والمغذي.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث وصفات صحية قليلة الكلفة.
3. دعم المزارعين المحليين والتعاونيات
تسهيل وصولهم إلى الأسواق *عبر دعم النقل المباشر.*
إنشاء أسواق أسبوعية شعبية بأسعار منخفضة.
تنظيم البيع بدون وسطاء.
4. توفير قسائم غذائية رقمية للأسر الفقيرة
بدل الدعم العشوائي والعام للطحين والبنزين، توزع بطاقات إلكترونية تشتري بها العائلات المواد الأساسية من أسواق مدعومة.
مبادرات من منظمات أممية لتوزيع سلال غذائية متوازنة.
5. التشجيع على المشاريع الصغيرة في صناعة الغذاء
نساء يعملن من منازلهن في إنتاج اللبنة، المونة، المربيات، الخبز.
تقديم قروض صغيرة غير ربحية أو منظمات لدعم هذه المبادرات.
6. برامج التغذية المدرسية
تقديم وجبة صحية مجانية في المدارس الرسمية.
لا تكلّف كثيرًا، وتوفّر تغذية أساسية للأطفال ، وتحفّز على الانتظام في التعليم.
لكن رغم وجود مساعدات غذائية، لا يزال سوء التغذية شائعًا، لا بسبب قلّة الطعام فقط، بل بسبب سوء تدبير الموارد المتاحة. وفيما يلي أبرز الأسباب المرتبطة بسوء التدبير المعيشي والمنزلي الذي يؤدي إلى سوء التغذية:
ملاحظة 1. ضعف الوعي الغذائي، الكثير من العائلات تجهل الفرق بين "الكمية" و"الجودة" في الطعام.
تُفضَّل الأطعمة الدسمة، المقليّة، أو الغنية بالنشويات والسكر لأنها "تشبع"، لكنها تؤدي إلى فقر غذائي طويل الأمد (سعرات دون عناصر غذائية).
الأطفال قد يتغذّون على "شيبس، كولا، خبز" دون خضار، بروتينات، أو فيتامينات.
ملاحظة 2. سوء التخطيط المالي داخل الأسرة
كثير من الأسر تنفق القسم الأكبر من المال على كماليات، أو مأكولات جاهزة، أو سجائر، أو بنزين... على حساب احتياجات أساسية كالغذاء الصحي أو الطبابة.
غياب ميزانية منزلية واضحة يُؤدي إلى صرف عشوائي.
ملاحظة 3. الإفراط في استهلاك الأطعمة الفارغة غذائيًا
حتى ضمن الحصص الغذائية، يُستهلك المعكرونة، الأرز، السكر، الزيوت بكثرة... وتُهمل الخضار الطازجة أو البقول أو المصادر البروتينية.
غياب الثقافة حول كيفية "تحويل الحصة التموينية إلى وجبة مغذّية".
ملاحظة 4. ضعف المهارات المنزلية (الطهي، التخزين، التخمير...)
غياب المهارات الأساسية لدى بعض ربات المنازل أو الشباب في كيفية:
إعداد الطعام من مكونات بسيطة وصحية.
حفظ الأطعمة الموسمية (التفريز، التخليل...).
استخدام البقوليات بدل اللحوم المكلفة.
ملاحظة 5. غياب التعاون المجتمعي والأسري
عدم مشاركة الغذاء بين الجيران أو العائلة الموسعة، أو إنشاء مطبخ جماعي في الحي.
ضعف المبادرات الذاتية داخل الحي لتبادل المهارات أو الطعام.
ملاحظة 6. غياب التوجيه والإرشاد المحلي
لا يوجد كفاية من التوعية حول الأكل الصحي في ظل الأزمة.
الجمعيات تقدم الطعام، لكنها لا تقدّم كتيبات أو ورش تعليمية لتثقيف الناس حول كيفية تحسين جودة التغذية رغم الفقر.
ملاحظة 7. الإدمان على نمط استهلاكي سابق
كثيرون لا يستطيعون تغيير نمطهم الغذائي حتى في ظل الأزمة (مثل الإصرار على شراء اللحوم أو الأجبان الفاخرة أو طلب الطعام الجاهز).
يفضّلون "وجبة جاهزة" على "طبخة منزلية مغذية" لأنهم غير معتادين على الطهي أو التخطيط
سوء التغذية في لبنان لا يعود فقط لسوء التدبير المالي أو ضعف الوعي، بل أيضًا إلى مشكلات سلوكية خطيرة، وعلى رأسها الإدمان والتعاطي، وهي عوامل تؤثر بعمق على نمط الحياة، الصحة، والقدرة على اتخاذ قرارات معيشية صحيحة.
ملاحظة 8. الإدمان على المواد المُخدِّرة أو المُسكِرة
مدمنو المخدرات أو الكحول يصرفون الجزء الأكبر من دخلهم على هذه المواد، ولو على حساب الطعام، الدواء، أو إيجار المنزل.
هؤلاء غالبًا ما يهملون الأكل الصحي، أو ينسونه تمامًا
بعض أنواع المخدرات تُضعف الشهية أو تُسبب القيء والإسهال، ما يؤدي إلى فقدان الوزن وسوء امتصاص المغذيات
ملاحظة 9. إدمان السجائر والنرجيلة
عائلات كثيرة تصرف مبالغ كبيرة يوميًا على التدخين، ما يُضعف الميزانية المخصصة للطعام الصحي.
النيكوتين يُقلل الشهية، خاصة عند الشباب.
يُفضل البعض فنجان القهوة وسيجارة على وجبة فطور كاملة!
ملاحظة 10. إدمان الشاشات والألعاب الإلكترونية
عند الأطفال والمراهقين، الجلوس الطويل أمام الشاشات يؤدي إلى:
إهمال الأكل أو الاعتماد على وجبات سريعة ومُصنّعة.
الكسل وعدم الحركة، ما يُضعف الهضم والشهية.
السهر المفرط وتناول طعام غير منتظم.
ملاحظة 11. اضطرابات الأكل الناتجة عن الاكتئاب والإدمان
الإدمان يرتبط بالاكتئاب، والاثنان معًا قد يُسببان فقدان شهية أو الإفراط في الأكل غير الصحي.
كثير من المدمنين يفقدون الإحساس بالروتين الغذائي الطبيعي
ملاحظة 12. الانعزال الاجتماعي وسوء العلاقات العائلية
المدمن غالبًا ما ينقطع عن أسرته أو بيئته، فيفقد الدعم الغذائي والنفسي.
قد يُصبح بلا مأوى أو يعيش في بيئة غير صحية، تؤدي إلى مزيد من التدهور الغذائي.
الحلول المقترحة (في سياق التوعية والتدبير الغذائي):
إشراك العاملين الصحيين والنفسيين في مبادرات التغذية.
تقديم مساعدات غذائية مشروطة (تثقيف – رعاية نفسية).
إنشاء مطابخ جماعية أو نقاط دعم غذائي للمشرّدين والمدمنين السابقين.
خلاصة: سوء التغذية في لبنان اليوم ليس ناتجًا فقط عن الجوع، بل عن "سوء تدبير المأكول والمصروف" و"ضعف الوعي الغذائي". الحل يبدأ من التوعية للرجوع الى النمط الحياة البسيط و جعل الطعام الصحي أولوية تفوق كماليات الحياة الغربية، ثم من دعم الناس بمهارات عملية تساعدهم على تحسين حياتهم ضمن الإمكانات المتاحة لأن العالم محفوف بالحروب اللا نهائية.
و من هذا المنطلق أسأل الدكتورة عناية عزالدين و زملائها عن الخدمات التي قدمنها في هذا الإطار لشعبهم و ناسهم واهلهم ؟
https://mohammadabbaskawrani.com