المقالة الأسبوعية

تاريخ : 2021-01-02 21:50 الثقافة و المقاومة - هزيمة الثقافة ام ثقافة الهزيمة؟

خطوات التطبيع العربية الرسمية مع كيان الاحتلال تتسارع بشكل لم يسبق له مثيل.ومع ان دولا عدة كانت تقيم علاقات مكتومة مع كيان الاحتلال منذ عقود من الزمن الا ان الاعلان الرسمي و المظاهر الاحتفالية بتوقيع ما يسمى اتفاقات سلام  يؤشر الى نوايا بتحقيق اهداف كانت مبيتة و جاء وقت اعلانها.

 و يبدو ان كيان الاحتلال قد حصل على ضمانة من عدة دول عربية  بالانسحاب من جبهة المواجهة معه و التخلي عن سياسة العداء له والاستعداد للتعايش معه و  الاقرار بسيادته على فلسطين و ادارة الظهر لحقوق الشعب  الفلسطيني ،  و قد عبر البعض  عن ذلك من خلال تأييده لـ”صفقة القرن” التي أعلنتها واشنطن مؤخراً.

مقاومة

أدخنة قطار التطبيع الرسمي للعلاقات مع الاحتلال تملأ اجواء المنطقة. و تزكم الأنوف و  وتحرق العيون.البعض صعد متن القطار و البعض ينتظر في محطات محددة .و صف غير قصير من الدول جاهز للدعم . إعلاميا أو سياسيا أو ماليا  و بعض البعض عسكريا لتفعيل و تطبيق خيار التطبيع مع الاحتلال بغض النظر عن الأسباب القانونية أوالتاريخية أوالإنسانية  التي تؤكد  خطأ هذا الخيار، و الذي يؤدي الى التفريط بالحقوق المدنية والدينية الفلسطينية و العربية و الاسلامية.

ولا يقف الأمر عند حدود التتنازل فقط عن تلك الحقوق، بل يبدو ان هذه الدول تعلن العداوة و المواجهة مع  كل بقي يتبنى أو يؤيد تلك الحقوق من العرب والمسلمين،  و تشن عليهم حروبا سياسة وإعلامية  واقتصادية  و حملات تخوين و شيطنة  وحتى بالنار ربما،

 انها تقود معركة التطبيع بشراسة، وكأنها هي صاحبة الحاجة اليه أو كأنها الوكيل  لكيان الاحتلال،

 و تنشغل الساحة الثقافية العربية في متابعة  مظاهر التطبيع مع الاحتلال و تداعياته على المنطقة  في محاولة لفهم الابعاد و الخلفيات و  بلورة مواقف. و ثمة مجموعة من الأسئلة الكبرى تطرح في هذا السياق.. ما الذي حدث؟ و كيف نفسر ما يجري؟و لماذا هذه الهرولة العربية نحو التطبيع مع عدوهم؟ هل هو الشعور بالهزيمة؟ هل انهزمت الثقافة العربية الى هذا الحد؟ أم ان هذه الدول لأسباب مختلفة تحاول تثبيت ثقافة الهزيمة امام الأحتلال و الهيمنة  الأجنبية؟ هل هي هزيمة الثقافة ام ثقافة الهزيمة؟

مم

البعض فسر ما يجري بانه تعبير عن هزيمة سياسية، واذا كان هناك ثقافة تابعة لها فهي ثقافة زائفة  قائمة على وعي زائف  أفضت الى ما يمكن أن يطلق عليه مجازا "ثقافة الهزيمة"، تجلت مؤخرا بفكر وقيم وسلوك المطبعين.الذين و ان وصفوا خطواتهم بعقد اتفاقيات سلام  مع العدو "القويِ" كما يدعون الا ان ذلك  لم يمنع من فهم حقيقة موقفهم المستسلم لإرادة المحتل وإملاءات الادارة الاميركية الدعمة له . وبذلك تكون ثقافة الهزيمة معطى مختصا ببعض السلطات وليست معطى شعبيا مجتمعيا. فهي ثقافة عابرة و ليست مقيمة ثابتة. و لكنها بارزة في الساحة بسبب تراجع دور الثقافة العربية تحت وطأة سلطة المال النفطي و الاستبداد و التضييق على حريات المثقفين و دورهم النقدي و الريادي.

 و على الرغم من تنوع خطوات التطبيع و  تعدد الوصفات لأشكال محتلفة من العلاقات يبقى الهدف الاول له هو  الاعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني لفلسطين،  وصولا الى كسر حاجز العداء مع هذا الاحتلال على كل المستويات سواء كانت سياسية أو دينية أو أمنية أو إستراتيجية أو ثقافية أو إعلامية أو اقتصادية أو سياحية أو غيرها.

 و بالتالي يصبح الوجود  الصهيوني الاستيطاني في فلسطين أمراً طبيعياً،  و هو امر يعمل على تكريسه  في عقل و ثقافة الامة  وهنا نصل الى نتيجة منطقية بأن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس يؤدي إلى التعامل مع الوجود الصهيوني في فلسطين كأمر طبيعي يحمل في طياته معنىً تطبيعياً.

ثقافة الامة لم تهزم  و لن تهزم. طبعت دول منذ عقود و لم تطبع شعوبها الى الأن.  و ان كانت جرعات التطبيع في هذه الاونة اكبر و أكثر الا ان ثقافة الأمة تزداد صلابة في رفض المحتل الغاصب و الهيمنة الاجنبية مع تنامي قوة المقاومة و تشكل محور المقاومة الذي أدخل المنطقة في عصر الانتصارات و  أقفل الباب وراءه على عصر الهزائم.

                                                            محمد حسين