مقالات

تاريخ : 2025-01-06 14:02 علاقة غير شرعية بين العلم والمال

علاقة غير شرعية بين العلم والمال، د. محمد كوراني

هناك علاقة وثيقة بين العلم والمال من حيث التعلم والتعليم والتطوير وهذا معروف عند الجميع، من مرحلة التعلم والتعليم إلى مرحلة نشر العلم وتأليف الكتب، إلى مرحلة نقل التجارب والعلوم، ثم مرحلة تأسيس المراكز العلمية، والجامعات، وتأسيس الجامعات المرموقة، وترتيب الجامعات والأساتذة المرموقين والمعروفين، ومن ثم استقطاب المتخصصين والعلماء، وتشكيل مراكز علمية، ومن ثم نشر الكتب والمقالات والأبحاث، والترويج للنظريات العلمية، والتعريف عنها، وتأسيس مؤتمرات علمية، وإيجاد حركة علمية لصالح نظرية معينة.

 

وأيضا لا شك أن الجامعات و قبلها المدارس كلها مرتبطة بالمال والدعم والميزانيات الحكومية و غير الحكومية. لكن ما نود أن نشير إليه في هذا المقال هو أننا في هذا العصر، ليس فقط هذه الأمور أصبحت مرتبطة بالمال، بل المال أصبح يتحكم بصناعة العلم ومجرى العلوم بين البشرية، ابتداءً من التعليم إلى النشر، إلى الندوات والمؤتمرات العلمية، إلى الجامعات المرموقة والرتب العلمية و المجالات المحكمة. أصبح المال يتحكم في كل هذه الأمور.

 

وهنا الكلام المهم: هنا تصك العبرة وترجف الأمور. والدليل على ذلك، عندما ندخل في مرحلة التعليم تاريخيا، نرى أن الملوك كانوا يختارون لأطفالهم علماء كبارًا ليعلموا أبناءهم خير تعليم، لكن الناس العاديين لم يكن بإمكانهم الذهاب إلا إلى المكاتيب ليتعلموا الألف باء، أو في المنطقة الإسلامية ليتعلموا قراءة القرآن على يد القراء والفقهاء.

 

تطورت الأمور، وحصل دعم حكومي للمدارس، فأصبحت بعض المدارس حكومية ومدعومة من الدولة والتعليم فيها مجاني. لكن دخلت إلى هذه المنافسة المدارس الخاصة. والمدارس الخاصة ليست فقط تتميز بالتعليم الجيد وأساليب التحفيز، بل إنها تشكل تجمعًا من الخريجين أو النوادي العلمية والاجتماعية، خاصة إذا كانت مدرسة مرموقة في منطقة خاصة بكبار رجال الاعمال والمسؤولين الحكوميين. هؤلاء الخريجون أو الأصدقاء أو الزملاء في المدرسة يشكلون لأنفسهم تجمعات علمية، عملية، ومالية. حيث يفتخر أحدهم بأن صديق طفولته أصبح وزيرًا أو رئيسًا أو مديرًا وهكذا.

 

ومن ثم ينتقل الطلاب إلى الجامعات. هناك جامعات لعامة الناس، وهناك جامعات أو اختصاصات خاصة على نفس نمط المدارس للاشراف. بطبيعة الحال، الجامعات الخاصة لها قيمة مضافة، وفي نفس الوقت تكلفة هذه الجامعات وأقساطها كبيرة جدًا. إذا المال هنا مرتبط بعنوان الدراسة الاكاديمية، ولكن ليس فقط مرتبط بالمال، بل المال أصبح هو الذي يتحكم بهذه الجامعات من حيث الرتب العالمية والشهرة والمكانة السياسية.

 

وهذا العلاقة المشبوهة بين المال الفاسد والعلم ظهرت في الاحتجاجات الطلابية ضد علاقة بعض الجامعات المرموقة في اوروبا مع العدو. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، حتى بالنسبة لأداة نشر العلم، العلم الذي هو الكتاب أو الورقة والصفحة الالكترونية، هناك اختلاف كبير بين أدوار النشر. بعض أدوار النشر لديها أسماء مرموقة ومدعومة ماليًا من أصحاب السلطة وأصحاب المال، بحيث أن أي كتاب ينشرونه يصبح متداولاً بين الأوساط العلمية والمراكز العلمية المرموقة.

 

دار النشر المعروف ينشر كتابًا حول موضوع علمي معين، فيصبح حديث الساعة عند كل المتخصص والباحث. وهذا أيضًا ملفت للنظر، بحيث أن دار النشر تصبح لها قدرة سياسية على صناعة العلم، وهذا ما نراه في بعض أدوار النشر الأوروبية والأمريكية والعالمية في القرنين ١٨ و ١٩.

 

ثم ننتقل إلى المختبرات ومراكز الأبحاث. هذه المراكز والمختبرات لديها قدرة كبيرة على توجيه العلم باتجاهات محددة وبإتجاه علوم معينة. على سبيل المثال، نرى أن الغرب اهتم بموضوع تعديل الجينات، بينما في المقابل، ركزت بعض الدول الإسلامية على تقنية النانو و تعديل المواد. تقنية النانو تقدم مواد بمواصفات مميزة أو بمواصفات فريدة ليست موجودة في الحالة الطبيعية بينما تعديل الجينات يغير في الخلق والحرث.

 

عندما نشتكي من هذا المنهج العلمي غير العلمي الموجود في العالم اليوم، نجد أنه يعود إلى موضوعين: الأول، أنه مغاير للحقيقة بحسب ما الواقع، والثاني، أنه يسبب عدم دعم النظريات العلمية الدينية القائمة على الفطرة الإنسانية والحقيقة البشرية.

 

بالنسبة للمجلات العلمية والمجلات المحكمة، ايضا قلنا بأن المال يتحكم فيها بشكل واضح و تتحكم في نشر المواضيع والمقالات التي يجدها صاحب المجلة او صاحب دور النشر ضمن قناعاته.

 

ومن هذا المنطلق، نجد أن المؤسسات الأممية، التي تحظى بدعم سياسي كبير من القوى العظمى، تقوم بتنظيم ندوات ومؤتمرات تروج لأفكار علمية محددة. على سبيل المثال، في أحد مؤتمرات الأمم المتحدة، تكررت كلمة "الجندر" أكثر من 90 مرة، رغم وجود مواضيع علمية كثيرة أخرى.

 

هذا يدل على أن العلم في العصر الحاضر ليس فقط يتحكم به المال الفاسد. بل بحكم وجود تأسيس تاريخي وعريق لهذا المنهج المادي، أصبح الكثيرون يعتبرونه أمرًا طبيعيًا. لأن من مرحلة التعليم إلى النشر، إلى المختبرات والمراكز العلمية، هذا التوجه قائم ومتبع بحيث انتج رؤية عامة عند الناس و مقبولية و مشروعية فكرية.

 

لذلك، نؤكد على ضرورة التحرر من هذه التوجهات العلمية التي تتحكم بمصير الشعوب، ليس فقط من خلال المراكز التعليمية، بل من خلال الأجهزة الأمنية العميلة او المخترقة او الفاسدة في كل دولة توجه النظريات العلمية باتجاه معين لأهداف وغايات سياسية محددة لصالح جهة او شخص معين و أيضا هناك دور مشبوه و خطير جدا للمراكز والمؤسسات الأممية، والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة مثل اليونسكو.

 

هذا موضوع مهم جدًا، حيث تظهر نتائجه اليوم على شكل نظريات وفرضيات شبه علمية تقدم على أساس أنها نظريات بديهية، ويتم الترويج لها إعلاميًا.

 

إذن، بعد التعليم، دور النشر، المجلات العلمية، الجامعات، والمراكز العلمية والمختبرات، يأتي دور الاجهزة الأمنية المخترقة و المؤسسات الأممية، التي تروج لنظريات علمية بتوجه معين.

 

قد يقول البعض: إذا كان القاضي راضيًا، وإذا كان الناس راضين عن هذه النظريات وسوق العمل منتعش واقتصاد البلاد نشيط بهذه النظريات المزورة، لماذا نتعب أنفسنا ونروج لشيء آخر؟

 

لكن انظروا إلى الانتخابات في أمريكا، أحد المرشحين يدعم الجندرة والمثلية، والآخر يعارض هذا الفكر. أصبحت النظريات العلمية جزءًا من وجهات النظر السياسية. لم يعد هناك براهين ومقدمات عقلية لإثبات أي شيء.

انظروا الى ترامب، عندما فاز في الانتخابات، و عندما اراد ان يؤسس لأمريكا قوية ، بكل بساطة ألغى كل النظريات التي تتكلم عن المثلية والجندرة في امريكا التي كان يروج لها بأنها علمية و متطورة و عقلية و قال ان امريكا لا تعترف الا بالذكر والمؤنث.

 

هذا الوضع يعكس الايمان بالنسبية والمزاجية عند من يمسك بالسلطة. بالإضافة إلى ذلك، المال لم يعد فقط مؤثرًا في العلم، بل أصبح يتحكم في اتجاهات العلم تمامًا.