القيم الاخلاقية في الحضارة المشرقة المستدامة
لا ننسى بأن شهدت الدنيا حضارات بشرية متنوعة، اليوم نقيّمها على اساس بقايا صخور أبنيتهم أو آثار حروبهم المدمرة أو عدد قتلى مجازرهم او سنوات حكمهم بالنار و الحديد. في الواقع كل الحضارات السابقة تأسست على دماء الاعداء وبعضها على دماء الابرياء.
البشر نفس البشر ، مجزرة سربنيتسا حصلت في ليلة و مجزرة روانادا حصلت في اشهر و مجازر صدام حصلت في زنازين لم يخرج منها أي صوت لضحاياها.
الفرق الوحيد بين زمن الماضي وزمن الحاضر القريب من المستقبل هو أن الشعوب أصبحت صاحبة شعارات كبيرة مثل الحرية والديموقراطية في ظل الهيمنة المطبقة للأنظمة السياسية و أن الناس أصبحت صاحبة طموح خيالي و وهمي وأصبحت تدعي لنفسها أفرادا قدرات وهمية خارقة للطبيعة و للأنظمة ... انتشار جائحة الكورونا قبل سنوات كانت كفيلة برجوع الناس الى ظل الحاكمية وفهم حقيقة شعاراتهم و ثوراتهم المزيفة، ليكتشف هذا الانسان المتوهم أن هدف غالب الأنظمة من غالب هذه الشعارات ليست تقديم انظمة مثالية بل تفتيت الأنظمة المنافسة، و أن الهدف من جميع الشعارات الثورية والثورات المخملية ليست صناعة أنظمة بل إزالة الأنظمة المتينة بهدف صناعة الفوضى البناءة. والهدف من جميع قيّمهم السلوكية و التنظيمية ليست الرفاهية والسعادة المستدامة بل الوصول الى منظومة متحركة من القيم المزيفة يتحكمون بها من وراء الأقنعة و الأنظمة. وأهم دليل على ذلك هو عدم ايمانهم بالفطرة البشرية الثابتة، فكل شيء عندهم نسبي وقابل للتفاوض و قابل للبيع والشراء. اليوم يعتبرون قمة الصفات الاخلاقية بإحدى تفريطين إمّا بالافراط وإما بالتفريط مثل التواضع والمسكنة ومثل العاطفة والميوعة و ... لكن المفكرون يعتبرون الافراط في الصفات الاخلاقية و القيم الاخلاقية، إما الغباء وإما الجنون.
بمعنى ان الكرم المفرط والبخل المفرط ينتهي الى حد الغباء ... قتل البشر و حب الحيوانات مظهر لهذا الافراط والغباء، فنحن نؤمن بان أعلى من الكرم هو الإيثار حيث يختلف من حيث الطبيعة ولكنه يبقى ضمن الإنسانية. واعلى شجاعة، التواضع. و اعلى الانسانية حب الله،
الحضارة المشرقة المستدامة في المستقبل القريب، في ظل العولمة و السير الى نظام عالمي موحد يحظي بالصفات التالية، يجب أن يكون في ارقى القيّم الأخلاقية وبنفس الوقت لا يحد الصفة و القيمة أخلاقية إلا صفة و قيمة أخلاقية من نوع آخر. هذه قمة سمو الاخلاق و علو القيّم الإنسانية ... التي يظهر من خلال "جمع الاضداد" زاهد و حاكم، حليم و شجاع، فقير و كريم ، ناسك و فاتك و... فالله رحيم بالمؤمنين و عزيز على الكافرين و المؤمنين اشداء على الكفار، رحماء فيمابينهم.
عملية تأهيل في الحضارة المشرقة المستدامة، تسمى التقوى
التقوى قوة داخلية و قدرة نفسية يحتاج إليها كل فرد في الحضارة المشرقة المستدامة، ليكون الفرد اهلا لهكذا حضارة راقية ومشرقة ومستدامة.
فاليوم الجنون و الادمان على انواع و على درجات، في العصر الحاضر يوجد ٢٤ نوع من الادمان الحديث الخطير والحريات الإفراطية اليوم تساعد المجانين على ممارسة جنونهم باسم الحريات و لتدمير الحضارات الراقية كما حصل لروما على يد نيرون ولاوروبا على يد هيتلر ولأمريكا على يد ترامب
التقوى عملية تدريبية و تاهيلية و تحضيرية تساعد الجميع ليكون اهل لهذا الحضارة. العملية تبدا من الطفولة في أجواء الاسرة المثالية و تستمر في نظام الابوة والاخوة أيام المدرسة الواعية حتى يستقر فيه هذا القوة و هذا القدرة و تستمر في مجتمع راق وحضاري يصون القيم من المجرمين و يساعد ضعفاء القيم على صيانة أنفسهم .
هذا الاستقرار النفسي يساعد كل فرد على الالتزام بما هو مقتنع به عقلا و فكرا و يقينا دون ان ينجر وراء الشهوات والغرائز الحيوانية التي يجب ان تكون في مكانه الصحيح و في حدوده السليمة و في اطاره المفيد.
التقوى هي عملية تدريب و تأهيل شخصي لكل عضو في المجتمع الحضاري لتقوية الضمير من خلال المجاهدة و تقوية الايمان واليقين، و نتيجة التقوى هي :
1)المجاهدة والمثابرة
2)الايمان واليقين
3)الصبر و التحمل
4)تكامل روحي و نفسي
التقوى عملية تربوية تفاعلية تكاملية تحفيز الإنسان على الأخلاق الحسنة ومكارم الاخلاق وعلى تحمّل الصعاب و تجاوز الازمات في طريق التكامل والرقي، لأن لايوجد تكامل دون مشقة ووتحب. ولا شكّ أن القيم الأنسانية لها أثرها في الدنيا كما في الآخرة. "فمن أخذ بالتقوى عَزَبَتْ عنه الشدائدُ بعد دنوِّها، وَاحلَوْلَت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأَسْهَلَتْ له الصعاب بعد إنْصَابِهَا". التقوى تساعد الإنسان على تجنُّب مكائد النفس وإغراءات الدنيا و تساعد العقل على النشاط بحرية و بنزاهة وتعطيه قوة دافعة وحافز عظيم للنشاط والعمل والسير والتكامل دون ببتعد عن الإنسانية، فمثلا الربح في المنظومة الرأسمالية تتحول الى شجع و طمع لكن الربح في المنظومة الإقتصادية الانسانية تبقى ضمن إطارها الانساني مهما كبرت و توسعت .
فقد ثبت تاثير التقوى الداخلي على نفس الإنسان وبدنه وعلى صحته و سلامته، ولهذا فإن الأخلاق السيّئة، كالحسد، والحقد، والغضب، والطمع، والتكبر، وحبّ الذات، والغرور تزيد من بعض الأمراض البدنيّة والنفسيّة. فالتقوى واجتناب الأمور السيّئة لها تأثير مهم وأساسي في علاج الأمراض الجسدية والنفسيّة، لذلك في الحضارة المشرقة المستدامة لا علاج طبي الا و معه علاج نفسي و روحي ولذلك التقوى شرط اساسي في التحضير للحضارة المشرقة المستدامة فالتقوى رئيس الاخلاق ...
الشيخ محمد مهدي كوراني
https://t.me/M_Civilization