المثقف في زمن الحرب
الشيخ محمد مهدي كوراني
المثقف قبل غيره يبحث عن الحقيقة أو الحكمة التي هي ضالة الانسان العاقل، فلا يسعه التخلي عن دوره لأنه يمثل المرجعية لعامة الناس لمراقبة السلطة ومحاسبة أنظمة الدولة السياسية والاقتصادية وتوجيه أنظمة المجتمع الاجتماعية والثقافية الى الأفضل.
المثقف قبل غيره بأمكانه أن يكشف زيف الأنظمة وكذب السلطة والمؤامرات المحاكة والأيادي الاجنبية الخفية ويكشف تدخل سلطة المال وسلطة الأمن بمصالح الشعب لصالح المصالح الخاصة والضيقة باسم المصالح العامة والمقدسة،
المثقف قادر على خلق نقطة التقاء بين العوام الغارقين في السطحية والانفعالية والنخبة الغارقة في الطوباوية والمثل الاعلى ولعل حياة البذخ والطرف، وذلك من خلال توجيه الجماهير الى نقاط القوة والضعف وتقديم خطاب قادر على جذبهم وتهيئتهم للاصلاح والتغيير، فيساهم إلى حد بعيد في خلق ظاهرة اجتماعية لصالح تيار الخير في كل طبقات المجتمع وبين كل الفئات البشرية مقابل تيار الانتهازيين والفاسدين من كل الطبقات وبين كل الفئات حتى طبقة المتسولين. فاليوم في عصر التكنولوجيا والاجهزة الخفية والمافيات السلطة و الأيادي الاجنبية الخفية التيار هو الذي يصنع التغيير والاصلاح وليس الفرد. ولى تلك الزمن دون رجعة، مع الاسف الشعارات اليوم أصبحت فارغة وشعبوية ويد الله أصبحت وكانت مع الجماعة، في ظل التعقيدات اليوم أصبح "حفظ النهج" من أوجب الواجبات للمؤمنين بتلك النهج وحفظ النهج بقتضي التمسك بنمط حياة مناسب لتلك النهج.
إن المثقف يخوض مغامرة كبيرة بمجرد نقل الحقائق؛ مغامرة نقد تأخر وتخلف الشعوب التي قد تكون ضحية نفسها قبل أن تكون ضيحة السلطة، ضحية تخلفها الثقافي والماديّة والسطحيّة والانشغال بالاوليات البعيدة.
من هنا جاءت مهمة المثقف بصفته رسول إجتماعي ينتدبه العقل والضمير الحي والاحساس بالمسؤولية وتحركه موقعه في المجتمع لحمل رسالة التوعية والمشاركة مع الناس و الاحساس بوجعهم وآلامهم في سبيل تحقيق تلك الأهداف. لأن التغيير يبدأ من تغيير الأنفس والانفس تشكل القوة الاساسية للتغيير في المجتمع. اذاً رسالة المثقف تبدأ من توعية الجماهير من الاعلام الموجه من قبل الرأسمال الفاسد، والسلطة الفاسدة، والمنتوجات العلمية والفكرية الفاسدة، و النفوس المريضة والحقودة والمتوهمة، و من جميع الامور التي تبعد الانسان عن انسانيته من الاكل والشرب واللبس الغربي و من ثم سلع الكمالية، وبل جميع الافكار المستوردة والمبنية على تحريك الشهوات والغرائز والعصبية وكلها بالاستعانة من التكنولوجيا المادية والسطحية.
رسالة المثقف اليوم
ومن هذا المنطلق اول رسالة المثقف أن يلتف حول مقاومة العدو عقلاً وفكراُ وعملاً وايماناُ و رسالةً. وثانيا ينمي الكره للسياسية الأمريكية في العالم في عقله وفي بيته وفي مجتمعه وبين أهله وأصدقائه و زملائه وتتسع هذا الكره لتشمل جميع مؤسسات الدولة الامريكية التي تنتج الاستعمار الجديد والخفي وتؤدي الى التطبيع السياسي والثقافي مع العدو.
وثالثا على المثقف الابتعاد عن الماسونية ومنظماتها الأممية وجميع النشاطات الثقافية التي تتبعها على شكل جمعيات اهلية ممولة من الخارج وفي الواقع تحركها الراسمالية الغربية و تديرها الماسونية من البعيد القريب.
ورابعا رسالة المثقف بث الحذر من خطط المخابرات البريطانية والموساد الاسرائيلية في العالم على كل الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية ويتيقنو انها ليست من نسج الخيال.
وخامسا على المثقف تقديم تقييم جديد لكل مكونات الحضارة الغربية والرجوع الى القيم الشرقية، من أي طائفة كان ولأي تيار فكري يتبع و من أي دين يدان و بأي مذهب يتلون وأي حزب يخدم ومن اي دولة اجنبية يستلهم، *"والرزق على الله"*
سادسا، اعادة تقييم و مراجعة جديدة لكل المفاهيم الغربية التي ادخلوها الى مجتمعنا تحت عنوان العلم والعلوم الانسانية و الاحصائيات العلمية و ...
و من هذا المنطلق، على المثقف الحر أن يكتب وينشر ويحاضر و يتكلم و بل يقيم دورات فكرية و ورش عملية في العناوين الاعلاه بحكم رسالته كمثقف، خاصة في لبنان.
سابعا على المثقف تقييم الصراعات العالمية والحروب العالمية و يحضر الناس لتلك المرحلة الصعبة والمصيرية التي أصبحت اليوم واقعة لامحالة، على المثقف أن يكون لديه رؤية متفائلة لليوم التالي؟
لاشك أن رسالة المثقف هو أن يأتي بأفكار وآراء جديدة ويقدم تحليلات و نظريات جديدة في كل عصر. لكن اذا كانت قيمة الانسان بالعقل، فقيمة المثقف اليوم بأن يتكلم عن مقدمات ونتائج العقل وقيمته تكون بنبذ ما هو من منتجات الغريزة والشهوة والجهل وليس رسالته تقديم الجديد وغرق الناس بافكار جديدة، ليس بينها وبين الاهداف المقدسة اي رابط... هذا التنوع في الافكار قد يغني الحضارة البشرية دائما و باستمرار لكن اليوم عليه أن يحارب كل نظرية وكل فكرة وكل توجه وكل آداة وكل تكنولوجيا تعطل العقل والتفكير والتدبر والتعقل و كل تقنية تنمي العصبية والشهوة والجهل على العقل والتفكير وتحول المعارف العميقة والعلوم العقلية الى ومضة تختفي مع كل حركة اصبعٍ على الشاشة.
رسالة المثقف اليوم أن يبحث عن ثغرات موجودة في المجتمع لا للتشهير بها بل لكي يحاول أن يعالجها و يسد هذه الثغرة بنفسه وبفكره وبعمله وبنشاطه، مبتعدا عن الذهنية المادية والعقلية الفاسدة والسلوك الشهواني والعصبية القبلية وذهنية المنافع الخاصة، فهو ينظر بعيون الأمة وليس الفرد، لأن اليوم التغيير يصنعه التيار والنصر يصنعه الأمة.
اليوم ليست رسالة المثقف ان يسبب بتشتت الآراء والتفكك المجتمع وبضياع عامة الناس في شتى المحاور وشتى الاتجاهات وخاصة في ظروف صعبة نحتاج الى التركيز على الاهداف الاساسية وثبات القيم والاستمرار بنفس الجهد وتكرار نفس المحاولات حتى نحفظ وجودنا وقدراتنا ومصادر قوتنا لكي نصل الى الهدف المرجو. اليوم ليست رسالة المثقف اعطاء وانتاج أي افكار وصناعة أراء جديدة في شتى وسائل التواصل الحديثة منها والتقليدية بل عليه توجيه الشعوب والأخذ بيدهم الى الحقيقة ومساعدتهم لتجاوز المراحل الصعبة القادمة.
هنا لا صوت يعلو صوت الحرب
في الواقع نحن اليوم في زمن الحرب ويلوح في الافق ملامح الحروب العالمية الكبرى وفي زمن الحرب لا يعلو صوت على صوت طبول الحرب، ولا يعلو صوت على صوت المعركة وساحة القتال.
المثقف في زمن الحرب، وفي زمن المعركة، وفي زمن الأوجاع لا يكتفي بالنقد بل يقدم الحلول ويتماشى مع جميع مراحل العلاج، لان المثقف بإمكانه أن يرى اوجاع الناس و آلامهم قبل غيره.
على المثقف اليوم أن يبحث عن الثغرات الموجودة في المجتمع ليسده وليس فقط لينتقده. بمعنى أن ليس عليه أن يطرح أفكاراً وآراءاً متنوعة ومتشتتة وبعيدة كل البعد عن الواقع التي يعيشه تيار الخير والمجتمع الصالح، لان قلنا ولى زمن الخطوات الفردية، لكن الفرد بامكانه أن يكون مؤثراً جداً وليكون المثقف مؤثراً في هذا الزمان عليه أن يبحث عن النقاط الضعف الموجودة في المجتمع ويحاول أن يقدم أطروحات ونظريات علاجية وواقعية لها ويوجه الاهتمامات المشتتة الى هذه النقاط لملئهاو سدها. اليوم مجرد انتقاد الآخرين وهتكهم وسبهم على منابر القنوات لم يعد يصب لصالح أحد الا العدو؟ في السابق هذا التراشق الاعلامي كان يدرّ بعض الأموال الاغترابية والخليجية ولكن اليوم أنها لا تجلب ريالا واحداً، فرسالة المثقف اليوم هو بث الأمل بكل قوة وبث الامل أمر واقعي ومنطقي رغم التغييرات المفاجئة التي ستشهدها المنطقة من انتشار و أعادة انتشار مفاجئ، رسالة بث الامل تتحقق بمستقبل زاهر وبحضارة مشرقة. لأن اما كل البشر ينجو معاً وإما كلهم يغرقوا معاً.
لذلك المثقف ليس كالذباب بل كدودة القز التي تنتج الحرير حتى تختنق فيه ولكنه كله أمل بانتاج أفضل قماش في العالم، بل كل فراشة تدور و تدور و تدور حول الشمع ولا تكل و تمل حتى تحترق وتضيئ الدرب.
المصدر:https://twitter.com/KawraniM19328/status/1734119251294732777?t=-eOma9zlkLUnwBAIV1nljQ&s=19