آفاق ومصابيح

تاريخ : 2023-12-12 10:20 كل الطوائف في لبنان، أبنائكم في خطر

كل الطوائف في لبنان، ابنائكم في خطر !

مجتمعنا يعاني من واقع مأزوم جداً جداً. الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية وأزمة الدولار وأزمة ودائع الناس في المصارف وأزمة الحكومة وأزمة الطوائف وأزمة المؤسسات الحكومية وأزمة الأزمات أي الحفاظ على النمط الحياة والرفاهية السابقة دمرت كل شيء. في الواقع مجتمعنا بحاجة لعناية فائفة. مجتمعنا بحاجة لإجراءات وقائية هائلة. من يوقف هذه الدوامة، كيف يمكن الحد من هذه التقلبات والتشنجات. 

مجتمعنا دائماً يسير بين أقصي الطرفين، أمّا أبيض أبيض و إمّا أسود أسود. مجتمعنا دائما يواجه أشد التقلبات الاجتماعية والثقافية لأنه ليس لديه وضعيات رمادية. لكن المجتمع عندنا في كل لبنان لا يتحمل هكذا تقلبات شديدة، يكفينا التحديات الكبرى التي نواجهها في المنطقة و على الصعيد العالمي لأن نظام الطائفي للبلد أهمل معالجة الأزمات الاجتماعية والثقافية الكبرى. مجتمعنا ليس لديها مقومات الصمود أمام هذا الواقع الاجتماعي المتقلب بين أقصى الطرفين وبين أقسى التموجات.  ابناءنا يعيشون في كل بلاد العالم و عندما يرجعون الى وطنهم، يحملون معهم ثقافة وعادات تلك البلاد الى لبنان. اليوم المغترب يأخذ اجمل ما في لبنان الى العالم و يأتي بأسوء ما في تلك البلاد الى لبنان، واقل اشارة لهذه الأزمة الخطيرة هي ظاهرة "عزوف البنات والشباب عن الزواج الشرعي المستدام" و ما له من تأثير على دورة الحياة الطبيعية و ما يحمل هذا من انحرافات سلوكية وإجتماعية.

كيف يمكن تخفيف وطئة الأزمات الاجتماعية والثقافية على هذا المجتمع الصغير والضعيف؟  كيف نحافظ علي المغتربين في مجتمعنا ليبقوا نقطة قوّتنا، ولا يتحولوا الى مصدر تهديد ثقافي و إجتماعي؟ كيف نخفف تسرب الأثار السلبية للعولمة الى مجتمعنا، دون أن نتخلي عن نقاط قوتنا كمجتمع راق و واع؟ كيف نحافظ على مجتمعنا من هذه التقلبات القاسية و هذه الصدمات الكبرى؟

قد يتسائل بعضهم، أن في خضم الأزمة المعيشية وفي خضم المعركة مطالبية وفي خضم الثورة الواتسابية وفي خضم الحراك الملعوب والمسيس، من يتكلم عن الأزمة الثقافية و من يتكلم عن التقلبات الاجتماعية؟  أنني بكل شفافية ومن حرقة القلب على هذا الشعب ومن إحساسي لآلام وأوجاع الناس وخاصة الشباب الثائرين علي السوشيال مديا والبث المباشر. أجد أن أهم عنصر لحل الأزمات المعيشية والاقتصادية والمطلبية هو في الحلول الثقافية والاجتماعية للتكيف مع هذا الواقع الجديد. لذلك اسأل مرة أخرى من يوقف هذه الدوامة الإجتماعية في لبنان و يبدأ العد العكسي من تحت الصفر؟

نعم في السياسة، هناك مفاوضات على الصعيد الدولي جارٍ قد يحمل حلول سحرية فقط لتاخير الانفجار الكبير حتي يجدوا حلولا لتحميل الضغوط أكبر على مجتمع المقاومة حصراً. نعم هناك مفاوضات على الصعيد الأممي جارٍ قد يحمل حلولا طائفية بواجهات عصرية وراقية مبني على مساوامات علىةامور مصيرية. نعم هناك مفاوضات جارية وزعمائنا يعرفون أن الفتيل التي يوصلنا الى الإنفجار الكبير هو نفسه وهو وحده يمنع ذلك الإنفجار. نعم زعمائنا يعرفون أن في لبنان كل شيء تمثيل وكل حدث تمثيلية الا ما يتعلق بحدود . لذلك نعم الحلول التي هي في متناول يدنا و في متناولنا هي الحلول الثقافية والاجتماعية. الحلول التي في متناولنا هي حلول ثقافية مبنية على التكيف مع الواقع الجديد للتقليل من وطئة التقلبات والتشنجات الاجتماعية وتقليل من قساوتها لكي تمر هذه المرحلة بخير. 

هناك حلول كثيرة و أكثرها حلول غبية، ناشئة عن تحليلات ودراسات آكادمية أثبتت فشلها في كل المجتمعات الغربية والشرقية، اما الحل الناجح لهذا الوضع الحساس هو قائم على الفطرة الإنسانية السليمة التي كادت أن تزول بفعل العولمة والتكنولوجيا والراسمالية المتوحشة. الفطرة الإنسانية السليمة قائمة على ولاية الأب على العائلة للحد من أنحراف الأجيال وللحد من أثار العولمة الجارفة على الثقافات والديانات الابراهيمة في معركة عض الأصابع وقائمة على اعطاء المكانة الصحيحة للاب في العائلة وللاسرة السليمة في المجتمع والضمانات الاجتماعية في مجتمعنا المتوحش، والرجوع الى الحياة البسيطة و بعيدا عن الكماليات و بعيدا عن التكلف في ظل عزوف ٩٠% من بناتنا و اولادنا عن الزواج في السن المناسب، وانتبهوا بأن الفائز في معركة العولمة والتصفيات النهائية في العالم بين الحضارات والثقافات والديانات الموجودة هي الثقافة التي تصمد أكثر من باقي الثقافات. لذلك أسأل : من يوقف هذه الدوامة، من يوقف مد العولمة في مجتمعنا؟

في الواقع الشباب هم عنصر القوة لنا وأيضا عنصر القوة للطرف الأخر. الشباب والصبايا، خريجات الجامعات والكليات والمعاهد هم عنصر القوة لنا وعنصر القوة للطرف الأخر ايضا. هم مفتاح مفاتيح الحلول وهم مفتاح الفوضى والأزمة والجهنم التي تكلم عنها فخامته. والحل يكمن هنا. الحل الذي يوقف هذه الدوامة ويوجه الشباب بالاتجاه الصحيح في ظل معارك جيوش الكترونية على الفضاء المجازي. ولايمكن ايضا حصر حلول فقط على شباب المنظمين بل الحل يجب ان يشمل جميع الشباب والفتيات في المجتمع.

يجب أن يعرف الزعماء الذين يريدون تصحيح الوضع القائم، أن الحلّ ليس بتنفيس هذه القوة وليس بالتلاعب بهم وبعقولهم وليس ببث التقاتل و التضارب فيما بينهم، بكل بساطة الشباب قوة هائلة تبحث عن التغيير في حياتهم الخاصة قبل السعي للتغير في واقع مجتمعهم وبحسب الفطرة السليمة هذه التغيير والإصلاح أغلق في وجههم بسبب انتشار وباء الكورونا والأزمة الاقتصادية والحروب و بسبب تكلفة الجامعات وفقدان الوظائف ورواج الكماليات والأمر الوحيد المتبقي أمام الشباب والصبايا هو الخطوات التي يمكن أن يقوم بها زعمائنا في مجال الزواج المبكر وتيسير الزواج والتسهيل في التقاليد المتعلقة بالزواج من خلال ما تبقى من سلطتهم و نفوذهم في المجتمع، لكي ينشغلوا الازواج بأزمات الخاصة بهم في العائلة ويبتعدوا عن الأزمات والصراعات المسيسة. لكي لا يكونوا الشباب حطب نار فتنة، يغذيه الأطراف المدسوسة. مجتمعنا اليوم في ظل ضعف المؤسسات الحكومية بحاجة ماسة لضمانات اجتماعية تخفف وطئة الأزمات على الشباب و الاسرة التقليدية قد تكون بديلا جيدا . نعم، الحل هو قائم على ولاية الأب في العائلة وفي تسهيله للزواج التقليدي وبث نفوذه في تشجيع الزواج بين الشباب والفتيات المتأثرين بالانستغرام والتيك توك و ...، بعيداً عن الكماليات و التقاليد الصعبة والمعيقة. واولها مشكلة السكن فلعل الحل يكون في تشجيع السكن والعيش مع الاهل في بداية الزواج أو اي حل يقدم سكنا زوجيا رخيصا للمتزوجين حديثا لتشجيعهم على الزواج مثل فرض ضرائب على الشقق الفارغة. يكفي على زعمائنا أن يروّجوا لإزالة التقاليد والعادات التي تعقّد الزواج لكي يبتعد مجتمعنا عن انواع الانحرافات الاخلاقية والسلوكية. يجب أن يضعوا كل ثقلهم السياسي والطائفي لتسهيل أمور الزواج المبكر، جميع المؤسسات الدينية التي تقدم مساعدات مالية و مادية الى العائلات المحتاجة، اليوم عليها أن تشجع على تسهيل الزواج و تيسير الزواج و تبسيط الحياة الزوجية قبل اي مساعدة مادية و مالية. فهذا الأمر وحده ينقل الأزمة من واقع سياسي خطير إلى واقع اجتماعي يساعد الشباب والفتيات على مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية والمطلبية وينقل قوتهم من محاربة الفاسد الي محاربة الأفسد على الصعيد العالمي وكل ذلك يحصل من خلال تسهيل الزواج في مجتمعنا.  وهذا الكلام ليس كلامي بل كلام كبار العلماء ممن لديهم حجة على جميع العلماء والزعماء و لديهم تاثير روحي كبير على صعيد  العالم. فلا تنسوا أن كل هذه الانجازات والانتصارات في لبنان هي نتيجة الخلفية الدينية والمذهبية عند جيل الشباب والفتيات. 

الشيخ محمد مهدي كوراني- 2019

 

 

المصدر:https://twitter.com/KawraniM19328/status/1734119251294732777?t=-eOma9zlkLUnwBAIV1nljQ&s=19