اختراق المثقفين العرب لن يأخذ بالضرورة شكل الاختراق الصهيوني المباشر، فمثل هذا الاختراق يكشف أصحابه ويقلل من تأثيرهم، بل هو يأخذ شكل الترويج لقيم ومفاهيم وعلاقات تصب مباشرة في تدمير المناعة الثقافية العربية· فالترويج لأنماط الاستهلاك الغربي، مثلاً، ونشر ثقافة اليأس في الأمة، والإيحاء بوجود تناقض بين متطلبات العصر والانتماء القومي والروحي، والادعاء بأن لا تقدم اقتصادياً واجتماعياً إلا في ظل اقتصاد السوق وشروطه العالمية، وتقديم الخصوصيات الثقافية للجماعات المتعايشة داخل مجتمع واحد على أنها عناصر تناقض وتناحر لا يمكن الجمع بينها، والسقوط باسم الواقعية في منطق الترويج لكل مشاريع الأعداء، والاستهتار بسلم القيم الأخلاقية السائدة، والتفريط بكل شروط المناعة الاجتماعية وتصويرها من مخلفات الماضي، والالتحاق بركب السلاطين، وافتعال الخصومات وتغليب الثانوي من الخلافات على الجوهري من الصراعات... الخ.، كلها أشكال متعددة لنمط واحد، يعتمد على نوع من المثقفين الذين سقطوا فريسة المشروع الاستعماري الثقافي، فكانوا عن وعي أو غير وعي جنوداً في خدمة التطبيع
مجدي حماد
*من كلمة في الثقافة العربية والإسلامية في مواجهة التطبيع