المقالة الأسبوعية

تاريخ : 2025-01-06 11:04 ماهية الحرب الكبرى بين الطوفان ولبنان

*" ماهية الحرب الكبرى… بين «الطوفان» ولبنان*

الوزير السابق طراد حمادة- الإثنين 6 كانون الثاني 2025

مسار الحرب في عام ونصف عام مضيا، تطوّر من حرب «الطوفان» في قطاع غزة إلى الحرب الكبرى في لبنان عامة وفي جبل عامل من جنوب لبنان على وجه الخصوص. ليست «وحدة الساحات»، بكل ما أعطي لها من تفسير وشروح، ما كان يربط بين مراحل الحربين وإنما قضية فلسطين، القضية الأولى للعرب والمسلمين، هي الرابط الأساسي بين مناطق الحروب ومراحلها. وليس أفصح دلالة على هذا الرابط من إعلان شهداء حرب إسناد غزة شهداء «على طريق القدس»، لأنهم شهداء في سبيل الله ومن أجل دعم قضية فلسطين العادلة ونصرة شعبها المظلوم الذي طُرد من دياره بغير حقّ وتعرّضت بلاده لاحتلال استيطاني غير موجود في أي مكان من العالم، إنه احتلال من نوع خاص لا مثيل له من قبل ولا يمكن أن يشهد العالم مثيلاً له من بعد.

يستخدم العقل طريقة التقسيم ليتمكّن من إدراك حقيقة الأفكار والوقائع ثم يعيد جمعها بعد تبيان الروابط بينها وما يمثّل جدلية التناقض والوحدة فيها وفق ديالكتيك المنطق وقبله منهج التحليل والتركيب. ونحن إذ نستند إلى المنهجين، المنهج الديالكتيكي ومنهج التحليل والتركيب، لشرح مراحل الحرب التي امتدّت على عام ونصف عام، نذهب إلى البحث في أحداث ووقائع حرب «الطوفان» وما تلاها من حرب الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين، ثم نبحث في حرب مساندة غزة في لبنان واليمن والعراق، ونقف عند حرب المساندة في لبنان التي امتدّت سنة كاملة ثم تحوّلت إلى حرب كبرى تجاوزت في أبعادها وآثارها حرب المساندة وحرب غزة، ونشرح لماذا.

إن صورة الحرب الكبرى تمثّلت في حرب لبنان، وآثارها ستكون أكثر فعالية وقد بدأت من سوريا وسوف تنال من غيرها في القادم من الأيام.

 

الوضع في لبنان هو ما يقرّر مصير الصراع في المنطقة على المستوى الاستراتيجي

 

 

بدأت صبيحة اليوم السابع من أكتوبر عام 2023 حرب «طوفان الأقصى» في هجوم مباغت لقوات «القسام» والقوى الأخرى على غلاف غزة، واستطاعت في يوم واحد أن تحقق انتصاراً عسكرياً قلّ نظيره على قوات العدو، حرّرت مناطق وقتلت قوات فرقة كاملة وأسرت مجموعات منها ثم عادت إلى غزة مستعدة لتحقيق أهداف محددة منها تبييض السجون بتحرير الأسرى ووقف الاستيطان في الضفة وحماية الأقصى ومنع التطبيع مع العدو، وهي أهداف فلسطينية محض. واجه انتصار «الطوفان» استنفاراً دولياً للدفاع عن كيان العدو قلّ نظيره. ووضع ما حدث في السابع من أكتوبر أمام مخاطر نشوب حرب كبرى وكأنّ شرارة هذه الحرب تتجاوز فلسطين إلى ما حولها. لم يعد الأمر متعلقاً بالوضع في غزة بل تجاوزت ردات الفعل هذا الحدث الكبير إلى كل المنطقة. ولم تعد فصول الحرب قضية مرتبطة بما يمكن تسميته صراع حركة حماس مع العدو دون غيرها. لقد فتحت «حماس» المعركة ثم صار الأمر، في تطوراته، خارج يدها وإرادتها، وعليه فقد حُصرت الحرب المباشرة في مرحلتها الأولى في غزة في مسارين: مسار الحرب البرية، حرب الاحتلال ومقاومة الفدائيين في الشوارع والأنفاق، وحرب الإبادة البشرية ضد السكان المدنيين. فيما كان الحشد الدولي العسكري حول فلسطين ينذر بمخاطر الحرب الكبرى.

في ظل هذه المعادلة العسكرية، دخلت المقاومة الإسلامية في لبنان الحرب تحت عنوان حرب إسناد غزة، وهي تدرك أن طبيعة هذه الحرب لم تعد في منطقة غزة وفلسطين بل تجاوزتها إلى المنطقة عامة، أو ما سُمي بالحرب المساندة والناصرة لفلسطين. وقد أعلن كل طرف من المحور دوره في حرب الإسناد.

كانت لحرب الإسناد قواعدها الخاصة من الناحية العسكرية، ولكن كانت من الناحية الاستراتيجية الحرب المؤهلة للتحول إلى حرب كبرى أو هي إرهاصات ومقدّمات الحرب الكبرى. وكانت قيادة المقاومة والمحور تدرك هذا البعد الاستراتيجي للحرب مع سعي على قدر الطاقة أن تمنع نشوب حرب كبرى في غير ظروفها لكن هوية الحرب كانت ترجّح حدوثها.

استمرت حرب الإسناد في لبنان لمدة عام في صورتها العسكرية المحض، فيما الحرب في غزة تتناوب بين حرب الميدان وحرب إبادة السكان. استمرت الحرب في ميدانها الغزاوي الفلسطيني باعتباره الأصل في حركة الميدان.

لقد بدأت هذه الحرب كحرب فدائيين مقاومين للاحتلال مرشّحة أن تتحول إلى حرب استراتيجية كبرى، وكانت المفاوضات تتم على أساس الأهداف الفدائية الفلسطينية: من تحرير الأسرى إلى حماية الأقصى والضفة الغربية. وكانت حرب الإسناد تضع كل قوتها في سلة المفاوض الفلسطيني ولا تطلب لنفسها شيئاً رغم ما يُعرض عليها من حلول وتسويات. كانت حرب الإسناد حرباً استراتيجية قابلة للتحول إلى حرب كبرى ومرّت ظروف صعبة كانت القوى الفلسطينية تطلب الدعم ولا تجد من يلبيها من محيطها سوى حرب الإسناد في اليمن والمحور. دول المحور نفسها كانت تضع كل قواها في سلة المقاوم الفلسطيني في الحرب وفي مفاوضات التسوية، ولكن ما الذي جعل بعد عام من حرب الإسناد أن ينتقل الثقل في الحرب إلى حرب لبنان؟ هل لأسباب لبنانية محض أم لأسباب فلسطينية متعلقة بإسناد لبنان ودور المقاومة الإسلامية اللبنانية في حركة الصراع العربي الصهيوني ـــ الصراع من أجل تحرير فلسطين؟ الأمر الثاني يغلب ما سواه؛ دور لبنان في الصراع من أجل فلسطين وما تمثّله المقاومة الإسلامية اللبنانية في هذا الصراع، وكان العدو يدرك هذه الحقيقة ولذلك كان يعرف أن حرب «الطوفان» هي الشرارة فيما حرب لبنان هي الميدان الذي سوف ينشب فيه حريق الحرب.

هذه الحقيقة في استراتيجية الحرب مع العدو كانت واضحة منذ البداية. وذلك على صعيد مراحل الإعداد للحرب. إن الدول المحيطة بفلسطين، مثل الأردن ومصر، خرجت من حلقة الصراع بعد حرب أكتوبر 1973 وأقامت معاهدات سلام، وتعرّضت سوريا لحرب داخلية مريرة أضعفتها واشتغل كثيرون على إخراجها من حلقة الصراع. حتى في فلسطين، السلطة الرسمية لحكومة محمود عباس، ومنظمة التحرير، لم تدخل الحرب رسمياً ولم تكن مع حرب الضفة الغربية. وعرب فلسطين ظلوا خارج نطاق الحرب. ولم تختف، رغم الحرب، الصراعات الفلسطينية. لقد أخرجت فلسطين السلطة بعد أوسلو من معادلة الصراع، وبقيت غزة ومعها دول المحور ولبنان القوة الأكثر فعالية لأسباب عدة في هذا الصراع، ولذلك ما كان لقوة فلسطينية أن تشن حرباً ذات بعد استراتيجي دون إعلام لبنان، ولكن ذلك حصل لأسباب الحليف الأكبر ولا نريد إثارة إشكالاتها. وقف لبنان بشجاعة منقطعة النظير وتضحيات غير مسبوقة للدفاع عن قضية فلسطين ومساندة شعبها في حرب تفوق كل حرب، وهذا ما حصل فعلاً بعدما وصلت حرب غزة، في الميدان وإبادة السكان، إلى مراحلها كحرب مقاومة ضد الاحتلال تقريباً. وحدثت الحرب في لبنان ضمن قواعد مختلفة وأسلحة مختلفة؛ كانت حرباً تفوق كل حرب، وتختلف في قواعدها العسكرية عن مجريات حرب غزة، وهذا في رسم الخبراء العسكريين لدراسته.

بعدها حصلت تغييرات زلزالية في سوريا ولا يزال التناوب بين حرب مقاومة ومفاوضات في غزة قائماً فيما الوضع في لبنان هو ما يقرر مصير الصراع في المنطقة على المستوى الاستراتيجي.

قائد المقاومة الإسلامية اللبنانية سماحة السعيد السيد حسن نصرالله، كان شهيد فلسطين الأول، شهيداً في سبيل الله ومثل بقية إخوانه... «على طريق القدس». إن دراسة العلاقة بين حرب «الطوفان» وحرب لبنان تكشف في المستقبل القادم أن الحرب من أجل فلسطين لا تكفيها قوة فلسطينية بل تحتاج أن يكون، في أقل تقدير، الدول المحيطة في فلسطين، مثل مصر وسوريا والأردن في وضع يشبه ما كان عليه وضع نصرة ومساندة فلسطين في لبنان. وهذا الأمر مصالحة مع تاريخ هذا الصراع ومع جيوبوليتيك هذا الصراع، فهل يدرك العرب والمسلمون هذه الحقيقة من دراسة مراحل حرب «الطوفان» وحرب لبنان وقواعد الحرب الكبرى؟

* كاتب ووزير سابق