من يوقف هذه الدوامة في مجتمعنا؟
مجتمعنا يعاني من واقع مأزوم جداً؛ فقد كثرت الأزمات: الأزمة الاقتصادية، والأزمة المالية، وأزمة الدولار، وأزمة ودائع الناس في المصار ف، وأزمة الحكومة المنهارة، وأزمة الطوائف، وأزمة المؤسسات الحكومية، وأزمة الأزمات، أي الحفاظ على نمط الحياة والرفاهية السابقة التي دمرت كلٌ شيء.
في الواقع مجتمعنا بحاجة إلى عناية فائقة؛ مجتمعنا في الجنوب والبقاع و باقي المحافظات بحاجة إلى إجراءات وقائية هائلة. من يوقف هذه الدوامة، وكيف يمكن الحد من هذه التقلبات والتشنجات في ظل هذه الأزمات؟
مجتمعنا دائماً يسير بين أقصى الطرفين، إمّا أبيض أبيض و إمّا أسود أسود؛ لأننا ننتظر حتى تصل الأزمة إلى المرحلة غير القابلة للتحمّل، مجتمعنا دائما يواجه أشد التقلبات الاجتماعية والثقافية، والسبب لا وضعيات رمادية. لكن المجتمع المحروم من منطلق الإمام موسى الصدر، والمظلوم من منطلق الإمام الخميني (قده)، لا يتحمل هكذا تقلبات شديدة، تكفينا التحديات الكبرى التي نواجهها في المنطقة، و على الصعيد العالمي. العالم كلّه رضخ للعدو الغاشم و لأذنابهم الماسونيين، إلا نحن، فليس في الميدان إلا "حديدان". مجتمعنا ليست لديه مقومات الصمود أمام هذا الواقع الاجتماعي المتقلب بين أقصى الطرفين وبين أقسى التموجات. أبناؤنا يعيشون في بلاد العالم، و عندما يرجعون إلى وطنهم، يحملون معهم ثقافات و عادات تلك البلاد، بينما المغترب يأخذ أجمل ما في لبنان إلى العالم، و يأتي بأسوأ ما في تلك البلاد إلى لبنان. وأقل إشارة إلى هذه الأزمة الخطيرة، هي ظاهرة عزوف البنات والشباب عن الزواج، التي أدّت إلى انحرافات سلوكية واجتماعية و تبعات خطرة، حسب ما ينقله أولياء الله.
كيف يمكن تخفيف وطأة الأزمات الاجتماعية والثقافية على هذا المجتمع الصغير والضعيف؟ كيف نحافظ على المغتربين في مجتمعنا ليبقوا نقطة قوّتنا، وكي لا يتحولوا إلى مصدر تهديد ثقافي واجتماعي؟ كيف نخفّف تسرّب الآثار السلبية للعولمة إلى مجتمعنا، من دون أن نتخلى عن نقاط قوّتنا كمجتمع راقٍ وسامٍ؟ كيف نحافظ على مجتمعنا من هذه التقلبات القاسية، ومن هذه الصدمات الكبرى في ظل الخضات العالمية؟
قد يتساءل بعضهم: في خضم الأزمة المعيشية، وفي خضم المعركة المطالبية، وفي خضم الثورة الواتسابية، وفي خضم الحراك الملعوب والمسيّس، من يتكلم عن الأزمة الثقافية، ومن يتكلم عن التقلبات الاجتماعية؟ في الواقع، على الرغم من أنني من المؤيدين للثورة والحراك المطلبي والمعيشي والإصلاحي والمناهض للفساد والطبقة السياسية الفاسدة، إلا أنني بكل شفافية ومن حرقة القلب على هذا الشعب، ومن إحساسي بآلام وأوجاع الناس وخاصة الشباب الثائرين على السوشيال مديا والبث المباشر، الذين لا يعلمون أنهم أصبحوا دمى بيد الطبقة السياسية الكبرى ضد الطبقة السياسية الصغرى، أجد أن أهم عنصر لحل الأزمات المعيشية والاقتصادية والمطلبية، هو في الحلول الثقافية والاجتماعية في ظل هذا الواقع الجديد. لذلك أسأل مرة أخرى: من يوقف هذه الدوامة؟
نعم هناك مفاوضات على الصعيد الدولي جارية، قد تحمل حلولًا سحرية، فقط لتأخير الانفجار الكبير، حتى يجدوا حلولًا لتحميل ضغوط أكبر على مجتمع المقاومة حصراً. نعم هناك مفاوضات على الصعيد الأممي، جارية قد تحمل كنفدراليات طائفية بواجهات عصرية وراقية مبنية على مساوامات تجعل المقاومة أكثر خفاء، و تجعلها في منحدر يأملون أنها تؤدي إلي زوالها (الكلام يرجع إلى العام ٢٠١٩). نعم هناك مفاوضات جارية، وزعماؤنا يعرفون أنّ الفتيل الذي سيوصلنا إلى الانفجار الكبير، هو نفسه، وهو وحده يمنع ذلك الإنفجار. نعم زعماؤنا يعرفون أنّ في لبنان، كل ما يحدث تمثيل، إلا ما يتعلق بحدود لبنان. لذلك نِعْم الحلول التي هي في متناول يدنا، فهي حلول ثقافية واجتماعية، إلا ما يتعلق بالحلول الأساسية للأزمات التي ذكرناها في الأعلى، فهي خارج أيدينا. والحلول التي في متناولنا، هي حلول ثقافية مبنية على التكيف مع الواقع الجديد، للتقليل من وطأة التقلبات والتشنجات الاجتماعية، والتقليل من قساوتها.
هناك حلول كثيرة و أكثرها حلول غبيّة، ناشئة عن تحليلات ودراسات آكاديمية أثبتت فشلها في كل المجتمعات الغربية والشرقية، اما الحل الإسلامي الناجح لهذا الوضع الحساس، بحسب أقوال أولياء الله، فهو قائم على الفطرة الإنسانية السليمة التي كادت أن تزول بفعل العولمة والتكنولوجيا والرأسمالية المتوحشة. الفطرة الإنسانية السليمة قائمة على ولاية الأب على العائلة للحد من انحراف الأجيال، وللحد من أثار العولمة التي تحاول جرف الثقافات والديانات الإبراهيمة، في معركة عضّ الأصابع، هي قائمة على تقوية مكانة الأسرة في المجتمع ولو حصل طلاق بسبب الازمات الاقتصادية. قائمة على إعطاء المكانة الصحيحة للأب وللأسرة السليمة، في ظل عزوف ٩٠% من بناتنا و أولادنا عن الزواج في السن الشرعي والمناسب، والفائز في هذه المعركة العولمة، والتصفيات النهائية في العالم هي الثقافة التي تصمد أكثر من باقي الثقافات، وتحافظ على عصبيتها أكثر من غيرها. لذلك أسأل : من يوقف هذه الدوامة، من يوقف مدّ العولمة في مجتمعنا؟
في الواقع، الشباب هم عنصر القوة لنا، وأيضا عنصر القوة للطرف الآخر. الشباب والصبايا، خريجات الجامعات والكليات والمعاهد هم عنصر القوة لنا وعنصر القوة للطرف الآخر أيضا، الأموال الاغترابية هي مصدر قوّة لنا، و في الوقت نفسه، هي مصدر تدمير مجتمعنا. الشباب هم مفتاح مفاتيح الحلول، وهم مفتاح الفوضى والأزمة والجهنم التي تكلم عنها فخامته. وبالتالي الحل يكمن هنا، الحل الذي يوقف هذه الدوّامة ويوجه الشباب بالاتجاه الصحيح، ليس الجيش الالكتروني الذي يلعب بعقول الشباب؛ لأن الطرف الأخر أيضاً لديه جيش الكتروني. والحل لايمكن أن يكون محصورا في قلة من الشباب أو مجموعة خاصة منهم، كشباب التعبئة.
يجب أن يعرف زعماء لبنان الذين يريدون تصحيح الوضع القائم، أن الحلّ ليس بتنفيس هذه القوة، وليس بالتلاعب بهم وبعقولهم، وليس ببث التقاتل و التضارب بينهم. بكل بساطة الشباب قوة هائلة، يبحثون عن التغيير في حياتهم، قبل السعي إلى التغير في واقع مجتمعهم. وبحسب الفطرة السليمة، هذا التغيير والإصلاح والإنجاز، يحصل في حياتهم التي أغلقت في وجههم بسبب الكورونا والأزمة الاقتصادية، الجامعات والوظائف والكماليات. فالأمر الوحيد المتبقي أمام الشباب والصبايا، هو الخطوات التي يمكن أن يقوم بها زعماؤنا في مجال الزواج المبكر، وتيسير الزواج، والتسهيل في التقاليد المتعلقة بالزواج ولو انتج طلاقا و تضاربا بالايدي والارجل والصحون الطائرة والمقلات الحامية، من خلال ما تبقى من سلطة و نفوذ لديهم في المجتمع، في الجنوب والبقاع، لينشغل الأزواج بالأزمات الخاصة بهم في العائلة، وبذلك يبتعدون عن الأزمات والصراعات الملعوبة والمسيسة ويوجهون كل طاقاتهم لبناء الزائدة لبناء عائلاتهم.
يجب توجيه الشباب إلى اتجاه يفيد المجتمع ولا يدمره، من خلال الانخراط في وضع سليم، كي لا يكونوا نار فتنة تغذيه الأطراف المدسوسة. نعم الحل الإسلامي قائم على ولاية الأب في العائلة، وفي تسهيله للزواج التقليدي، وبث نفوذه في تشجيع الزواج، بعيداً عن الكماليات و التقاليد الصعبة والمعيقة، وأولها العيش مع الأهل في بداية الزواج. يكفي على زعمائنا الكرام أن يروّجوا لإزالة التقاليد والعادات التي تعقّد الزواج، كي يبتعد مجتمعنا عن أنواع الانحرافات الأخلاقية والسلوكية. يجب أن يضعوا ثقلهم السياسي والطائفي لتسهيل أمور الزواج المبكر، فهذا الأمر وحده ينقل الأزمة من واقع سياسي خطير، إلى واقع اجتماعي يساعد الشباب والفتيات على مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية والمطلبية، وينقل قوتهم من محاربة الفاسد إلى محاربة الأفسد على الصعيد العالمي.
هذا الكلام ليس كلامي، بل كلام كبار العلماء، ممّن لديهم حجة على جميع العلماء والزعماء، ولديهم تأثير روحي كبير على صعيد المسلمين في العالم. فلا تنسوا أنّ هذه الانتصارات هي نتيجة الخلفية الدينية والمذهبية عند جيل الشباب والفتيات.
الشيخ محمد مهدي كوراني- 2019